مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: الإسلام.. بين التجديد والتفكيك!

منذ لاحتْ فى الأفق قضية تجديد “الخطاب الدينى”، أقحم متنطعون ورويبضاتٌ وكارهون للإسلام بالسليقة أنفسَهم فى الأمر إقحامًا، وراحوا يهرفون بما لا يعرفون، ويقولون مُنكرًا من القول وزوراً، وسخَّروا وقتهم وجهدهم، للنيل من الدين الخاتم فى كل الاتجاهات، وتداخلتْ منابرُ إعلامية محلية ودولية فى هذه الحملة الشرسة، ولا تزالُ مستمرة دون أن يردعها رادع.. “فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا، أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا”.
لقد تحوَّلَ الإسلامُ، فى السنوات الأخيرة، إلى ساحة مُستباحة يرتادها الصغار والسفهاء والجالسون على الآرائك؛ ليس سعيًا للإصلاح، ولكن طلبًا لتخريب عقيدة المسلمين.. “وإذا قيلَ لهم لا تُفسدوا فى الأرض، قالوا إنَّما نحن مُصلحون، ألا إنهم المُفسدون ولكن لا يشعرون”.
أحدُهم أخذَ على عاتقه، استضافة بعض السُّفهاء في برنامجه التليفزيوني، ليوجِّهوا ما يُشبه “المدفعية الثقيلة”، بنوايا لا يغيب عنها السوءُ، وضمائرَ ليستْ فوقَ مستوى الشبهات، نحو كل ما يمتُّ إلى الإسلام بصلة، لينسفوه نسفًا، مُتغافلين عن أن للإسلام ربًا يحميه ويصدُّ عنه كيد الكائدين، ولو بعدَ حينٍ.
عبرَ هذا البرنامج.. ظهرَ مَن يُشككُ فى قدسية القرآن الكريم؛ زاعمًا أن المُصحف الذى يتداوله المسلمون ليس هو القرآنَ الكريم الذى تنزَّلَ على الرسول الكريم، وأنه “محض عمل بشرى” لا قدسية له! وعبرَ هذا البرنامج أيضًا.. برز مَن ينسِفُ السُّنة النبوية نسفًا، ويُبدِّدُ الأحاديث الشريفة تبديدًا، حتى بلغَ به الشططُ إنكارَ حديث: “أركان الإسلام”، والادعاء بأنَّ النُّطقَ بالشهادتين ليس من لزوم العقيدة، وأنَّ “رمضانَ” ليس شهر الصوم، وأنَّ نظامَ الزكاة لم يعدْ مقبولاً، وأنَّ الحجَّ إلى بيت الله الحرام وثنية، وأنَّ خُطبة الجمعة ليست واجبة ولا ضرورة لها، وأنَّها شُرِّعتْ فى وقتٍ متأخرٍ عن وفاة النبى الكريم؛ لأسبابٍ سياسيةٍ..”وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا”.
وعبر هذه الفضائية .. خرج مَن يطالب بـ”تحنيط” الكتب الفقهية، وإحالتها إلى المتاحف الأثرية، ولم يخلُ الأمرُ، بطبيعة الحال، من التجاوز والغمز واللمز..”مكرَ السييء ولا يحيقُ المكرُ السييء إلا بأهله”.
وتزامنًا مع هذا الشطط..دفعَ آخرون بأنَّ التجديدَ المطلوبَ يستدعى المساواة بينَ الرجل والمرأة فى الميراث، وتحريم إباحة تعدد الزوجات، أو تمكين المرأة من الجمع بين أكثر من زوج، والاحتكام إلى تحليل “دى إن إيه” حال الاختلاف على أنساب الأطفال، مُعلنين الحربَ على فطرةِ الله التى فطرَ الناسَ عليها، “لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”.
كما خطَّ آخرون مُطولاتٍ عن صحابة رسول الله، وقالوا فيهم ما ليس فيهم، وتجرأوا عليهم دونَ علمٍ أو إنصافٍ أو تمحيصٍ، وأساءوا إليهم أيَّما إساءة، مُستكثرينَ عليهم المكانة الكريمة، والمنزلة الطيبة، التى آتاهم الله إياها.. “وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا”.
ولأنَّ النوايا ليستْ طيبة، ولأنَّ “التبديد” وليس “التجديد” هو الهدفُ المنشودُ، والمقصدُ المرغوبُ، من وراء هذه المعركة المُفتعلة التى لن تضع أوزارها قريبًا.. ظهر من يدعي أنَّ الأزهرَ، بعلمه وعلمائه المتقدمين والمتأخرين، غيرُ جديرٍ بأنْ يضطلعَ بهذه المهمة، ومتهمًا إياه بتبنى خطابٍ رجعىٍّ ومُتعالٍ، وأنه لا يرغبُ فى أى تجديد، ولكن كل ما يصبو إليه هو تغيير صورته النمطية في أذهان الناس، وبدا ذلك في حالة الصياح التي صاحبت الإعلان عن عودة الاهتمام بالتربية الدينية في المناهج التعليمية بدءًا من الصف الأول الابتدائي..”قلْ موتوا بغيظكم، إنَّ اللهَ عليمٌ بذاتِ الصدور”.
العلماء الأكابر في عموم العالم الإسلامى.. إنَّ الإسلامَ يمرُّ بلحظة فارقة، وهذا وقتُ الاتفاق لا الاختلافِ، فلا تفرقوا وتذهب ريحُكم، كونوا صفًا واحدًا، كونوا كلمة الله، أمام تلك الموجة العارمة لهدم الإسلام تحت مزاعم التجديد، فكلمة الله دائمًا وأبدًا هي العُليا، وما سواها سوف تبقى السفلى, حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها.
أيها الأفاضل..أنتم قادرون، لو أردتم، على تصحيح المِعوَّجِ، وتصويب المُختل، وتطبيب المُعتل. لم يعدْ التزام الصمت ذكاءً، ولا السكوت عن الحق فطنة، ولا معانقة الخصوم “تكتيكاً”، ولا الدفاع عن الماضي على عواهنه صوابًا، لا تجعلوا الإسلام غريبًا، دافعوا عنه بما ائتمنكم اللهُ عليه من علم نافع، لا تخشوا في الله لومة لائم، كونوا جنودًا مخلصين في الزود عن حياضه بالحُسنى.. وصدق اللهُ العظيمُ حينَ قالَ: “وإنَّ جُندَنا لهم الغالبون”..

زر الذهاب إلى الأعلى