راندا الهادي تكتب : لقد انتهى رصيدكم
هل الحب بديهي لا إرادة لنا به ؟ أم أن الإرادة كل الإرادة تظهر عند اختيارنا لمن نوجه له طاقة الحب لدينا؟ هل نختار من نحب ؟ أم لا سيطرة لنا على القلوب ، لذا لا تسأل محبًا لماذا أحب؟
الجميع يتفق وأنا معهم أن الإنسان مسلوب الإرادة في المحبة ، فأنت لا تختار من تحب ، ولا تعرف متى وكيف ستقع في حب أحدهم ، بل تقع في شراك الحب بدون مقدمات ، ولهذا السبب ظهر الحب من طرف واحد ، فليس شرطًا أن يُحبك من تحب .
لكن الاختلاف يكمن في الطريق الذي يرتاده المحبون ، فهناك من يرى أن “الحبيب كالزبيب يفعل ما يريد” ، وهناك من يؤمن بأنه ” إن كان حبيبك عسل متلحسوش كله”، وفي التاريخ العربي كلا المثالين ، سنجد (قيس وليلى ، وجميل بثينة، وعنترة وعبلة) ، أمثلة المحبة اللانهائية ، حيث للحبيب الحق يفعل ما يريد وعلى المُحب أن يتحمل ويخوض الصعاب وعذابات الفراق ويتجرع المعاناة ليل نهار بنفس راضية مطمئنة .
كما نجد على الجانب الآخر أبا فراس الحمداني الذي ضج من هجران حبيبته واستهانتها بعذاباته للحد الذي تسأله عن سبب تغيره وسوء حالته وهي أعلم ؟ ، والذي اتضح جليًا في قصيدته العبقرية ( عصي الدمع) والتي أنهاها بالرضا بالموت مصيرًا ، فكل البشر إلى زوال ، بدلًا من افتضاح حبه ولوعته أمام الخلق فهو من قال :
بلى أنامشتاقٌ وعندي لوعة/
ولكن مثلي لا يذاع له سر
وما كان لِلأحْزان، لولاكِ، مَسْلَكٌ
إلى القلبِ، لكنَّ الهوى لِلْبِلى جِسْر
وإنْ مُتُّ فالإنْسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ
وإنْ طالَتِ الأيامُ، وانْفَسَحَ العُمْرُ
هذان مساران للمحبة ، مسار المُحب إلى ما لا نهاية بلا قيود ، ومسار المحب المدرك لحقوق وواجبات هذا الحب ، فكل علاقة لها رصيد تصنعه المحبة الفطرية والأقوال والأفعال التي تغذي هذا الرصيد على مر العلاقة .
لذا المحبة من طرف واحد لا رصيد لها أو لنقل يتم استنفاذ رصيدها بسرعة ، ومن هذا المنطلق لا عجب عند انفصال اثنين بعد سنوات من محاربة العالم ليكونا معًا ، أتعلمون لماذا ؟ لأن رصيد المحبة عند أحدهم نفد ، وليس المهم هنا السبب بل الأهم أنه لا حياة لعلاقة عوجاء ، يحافظ عليها طرف ويهدمها الطرف الآخر، يُزكِّيها طرف ويُطفيء نارها الطرف الثاني ، يثمنها طرف بأغلى ما يملك ، ويبيعها الطرف المقابل بأبخس الأسعار .
( نصيحةٌ): راقبوا رصيدكم عند من تحبون .