مقالات الرأى

د.أمانى فاروق تكتب: عميدة القلوب: قصة عطاء وامتنان

في زمنٍ تتراجع فيه قيم الوفاء والعرفان خلف ستار الحياة السريعة، تبرز الحاجة إلى استعادة هذه القيم التي تعيد إلينا إنسانيتنا. إن الامتنان لمن علمونا وأثروا في حياتنا ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو جسر يربط بين الأجيال، ويُعلي من شأن القدوة في زمن نفتقد فيه الرموز التي تلهمنا وترشدنا.

كان للأستاذة الدكتورة ماجي الحلواني، أستاذة الإعلام والعميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة، مكانة خاصة في قلوب طلابها، ما جعلهم يمنحونها لقبًا استثنائيًا: (عميدة القلوب) . لم يكن هذا اللقب مجرد كلمات، بل ترجمة حقيقية لرحلة طويلة من العطاء والإخلاص. لقد كانت الدكتورة ماجي مثالًا حيًا للأستاذة التي لا تكتفي بتقديم العلم، بل تزرع القيم وتنير دروب الأمل في نفوس طلابها.

وأجمل ما يمكن أن يؤكد هذا التقدير هو تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي لها في احدي المناسبات الهامة، وهو تكريم لم يكن فقط لشخصها، بل لقيمها ومسيرتها التي تمثل نموذجًا فريدًا في العطاء العلمي والإنساني. تحدثت الدكتورة ماجي عن تلك اللحظة في لقاء تليفزيوني بفرحٍ غامر، قائلة: “كنت سعيدة بتكريم الرئيس وبلغونا الصبح أن الرئيس جاي وكنت سعيدة جدًا. أخذت معايا كتابي إمبراطورية إمام وأهديته للرئيس، وانبسط به”. كلمات بسيطة تحمل في طياتها مزيجًا من الامتنان والفخر الذي شعرنا به جميعًا.

لكن الدكتورة ماجي الحلواني ليست فقط أستاذة عظيمة، بل هي أيضًا نموذج إنساني متكامل. كانت زوجة رائعة لرجل عظيم ، وأمًا ناجحة لنماذج مجتمعية يحتذي بها، وجدة ملهمة لحفيدات مبدعات، تسعى دائمًا لنقل القيم والمبادئ إلى الأجيال القادمة. كما جسدت بكتابها ” *إمبراطورية إمام الكروية* ” أسمى معاني الوفاء، حيث سعت من خلاله لتخليد ذكرى زوجها الراحل، الكابتن حمادة إمام، وتسليط الضوء على أهمية الأسرة كقيمة متجذرة في المجتمع.

على المستوى الشخصي، لا أنسى تلك اللحظات التي كانت تستمع فيها إلينا كطلاب، وكيف كانت كلماتها تُشعل الأمل في نفوسنا. وفي مرحلة الدراسات العليا، عندما واجهتُ تحدياتٍ كثيرة، وجدت فيها داعمة حقيقية، تمنحني من وقتها ونصيحتها دون ملل. كانت تشعرنا دائمًا أن العلم رسالة، وأن النجاح يبدأ بالإيمان بالنفس والالتزام بالمبادئ قبل أي شيء.

وإيمانًا بفضلها وتأثيرها الكبير، لم يكن غريبًا أن يقوم طلابها بإعداد فيلم وثائقي يجسد قصة حياتها وإنجازاتها المتتالية خلال رحلتها الإنسانية، فقد رأى طلابها أن قصة الدكتورة ماجي الحلواني، بكل ما تحمله من كفاح ونجاحات، تستحق أن تكون نموذجًا يُخلد، وأن تلهم الأجيال القادمة. إن هذا العمل يعكس مدى الحب والتقدير الذي تكنه أجيال من طلابها، الذين لم ينسوا يومًا كيف كانت لهم أستاذة، وأمًا، وقدوةً.

وفي هذا السياق، يجب أن ندرك أن غرس قيمة الوفاء والامتنان في نفوس شبابنا المصري والعربي هو درس بالغ الأهمية. فالشباب، وهم القوة الحقيقية للمجتمع، بحاجة إلى قدوة تسير أمامهم وتلهمهم، إن هذه القيم ليست مجرد فضائل أخلاقية، بل هي أساس بناء مجتمعات متماسكة تسعى إلى التقدم بروح التعاون والاعتراف بالجميل.

فكم تمنيت أن اكون جزءا من نموذج أستاذتي الغالية الدكتورة ماجي الحلواني، فهي بحق مثال يُحتذى به لكل أستاذ يريد أن يترك أثرًا خالدًا في نفوس طلابه، ولكل إنسان يسعى إلى تحقيق نجاح يحمل بصمة إنسانية.

إن “عميدة القلوب” ليست مجرد لقب، بل قصة وفاء وعرفان تُجسد كيف يمكن للإنسان أن يكون قدوة ومصدر إلهام في كل جوانب حياته. شكراً للدكتورة ماجي الحلواني، ولكل أستاذ مثّل شعلة أمل، وترك أثرًا في طريق طلابه.
———-
مدير مركز التدريب والتطوير – مدينة الانتاج الإعلامى

زر الذهاب إلى الأعلى