رأفت السويركي يكتب: “الميليشيات الإسلاموية” تُفَتِّت الأوطانَ باعتبارِهَا “حفْنِة مِن التُّراب العَفِن”!!
من دون أية شكوك ـ والنخبة العمياء البصيرة سادرةٌ في غيبوبتها ـ فإن “المسألة السورية” وتطوراتها “المرتقبة المخيفة”؛ نتمنى عدم حدوثها بإشهار تفتيت سوريا الوطن الموحد عبر فكر وحركية ما توصف بالميليشيات الإسلاموية؛ فتلك الخطوة تؤكد أن الغرب الرأسمالوي “الصهيو- مسيحي”، يواصل مخططاته بدأب، ويُسارع في تطبيق سيناريوهاته لهدم المنطقة، باعتبارها منطقة نفوذ عبر التوظيف الاستراتيجوي لما يُسمى كَذِباً فيروس “الإسلام السياسوي”.
فكل تنظيمات هذه النوعية تنشط دوماً، وتمارس فعالياتها “الهدمية” للأوطان العربية والإسلامية؛ بغطاء شَكْلِّيٍ عقيديٍ؛ اعتماداً على مقولات رائجة من نوعية عبارة حسن الساعاتي البنَّاء :”أنا لا أنتمي لوطن”، و”إن الإسلام عقيدةٌ وعبادةٌ، ووطنٌ وجنسية، ودينٌ ودولةٌ، وروحانيةٌ وعملٌ، ومصحفٌ وسيف”؛ وكذلك عبارة المتأخون ـ الماسوني باعترافه ـ سيد قطب:”ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن” والعبارة الساقطة للمرشد مهدي عاكف: ” طُزُّ في مصر واللي في مصر…”!!
ولكي يدرك الكثيرون مخاطر “ميليشيات الإسلام السياسوي” التي في حقيقتها هي “فعالية فيروسية متصهينة”، وقد ضربت العديد من الأوطان في مقتل؛ وقبلها تسببت في وَصْمِ العقيدة السمحاء بالإرهاب؛ نتيجة سطحية الفهم المُهَيِمِن منهم لهذه العقيدة السماوية المتكاملة في أصولها وغير المصابة بالعوار. لذلك فإن هذه الفعالية المرضية البشرية والشيطانية، كانت تطبيقاً لمشروعات ومعطيات مكاتب التفكير الاستراتيجوي الغربية الحديثة.
والدليل على حقيقة ذلك الواقع معروف في أسماء غربية بعينها، ومشهود لها بعقليتها الماسونية؛ ممن رسموا وخططوا “سيناريوهات الغزو والهدم”، وقدموا نصائح استخدام “متوحش الإسلام السياسوي”، عبر ما يُسمى “الاحتلال الناعم” لدول المنطقة، بالتسلل إلى داخل الأوطان ومخادعة أهلها، انطلاقاً من اطمئنانهم لنمط فساد قناعات أصحاب الذقون الغبراء الشعثاء وسواهم؛ ممن يزيفون تطبيقاً نهج العقيدة وروحها ومسلكياتها؛ بالظنِّ والمتوهم أنهم “حُرَّاس العقيدة”!
إن “العقل الآخر الماسوني” الذي يقوم بهندسة ما يُسمى “فقه الغزو الغربي” المُضاد تجاه منطقتنا، منذ انهيار الأمة الحضاروي والسياسوي، تراه يستخدم تلك النمطية التدميرية، في تدبير الغزو العكسي للمنطقة، والعالمون بالوثائق السياسوية الشهيرة يعرفون:
** من هو “برنارد لويس” المُتَهَوِّد والمستشرق البريطاني، الذي اعتمد “جورج بوش” مخططه للتدخل الأميركي في المنطقة بحجة الحرب ضد الإرهاب، لتنفيذ سيناريو “تفتيت الشرق الأوسط” إلى أكثر من ثلاثين دويلة عرقية ومذهبية على الأقل.
** ومن هو “برنار هنري ليفي” المُتَهَوِّد من أصلٍ جزائري، والكاتب والفيلسوف الصهيوني الفرنسي الموصوف بـ “عرَّاب” ما يُسمى وهماً “الثورات العربية”، والذي ظهر في كل الميادين العربية خلال فوضى ما يُسمى احتجاجات الجماهير العربية، وهناك من أطلق عليه تسمية “غُراب الثورات العربية”.
** ومن هو “نوح فيلدمان” المُتَهَوِّد الأميركي وأستاذ القانون، والحاصل على دكتوراة “الفلسفة في الفكر الإسلامي” من جامعة أكسفورد، وصاحب الكتاب الشهير ” سقوط وقيام الدولة الإسلامية”، والذي يعتبر بحق صاحب نظرية استخدام ” فيروس الإسلام السياسوي”، في هدم “أسوار المناعة العربية” من الداخل.
إن الدور الذي لعبه ” نوح فيلدمان” هذا الكادر الصهيوني الخطير، معروف للاختصاصيين والمراقبين السياسويين، بدوره الكبير في الإشراف على أو كتابة بعض دساتير “ثورات التفتيت”، بدءاً من “أفغانستان” و”العراق” أيام “بريمر”، ومرورا إلى “تونس”، فضلا عما أثير حول دوره في دستور “دولة الإخوان المسلمين ” أيام محمد مرسي. ولم يكن من المستغرب قوله: إن الإعلان الدستوري الذي أعلنه الرئيس المتأخون محمد مرسي يمثل “إنقاذاً للديموقراطية في مصر كي نحصل – يقصد الأميركيين – على الكثير من المنافع بأقل التضحيات”.!!
إن الأدبيات السياسوية تؤكد أن “فيلدمان” هو صاحب ما أسميه نظرية ” غزو المجتمعات العربية والإسلامية بالخُدْعة ” عبر تضليل الجماهير، إذ كان حصان الهوية الدينية مُرتَدِيَاً مسوح العقيدة ولكنه ” يحتوي بداخله وحش فكر العنف والذبح والتفجير والسبي”؛ وهي بعيدة عن الدعوة للخير والسلام والإيمان والتوحيد، واحترام عقيدة الآخر، طالما أنه ارتضى ذلك ولم يحارب عقيدتك الإيمانية؛ فيما العقيدة الإسلامية المتظاهر باتباعها طاهرة في مظهرها وجوهرها.
إن فيلدمان هو صاحب “نظرية دول الخلافة الإسلامية” وليس “دولة الخلافة الواحدة”، وللمخادعة يقول أن تكون الدولة من تلك النوعية ” دولة مدنية، مرجعيتها إسلامية”؛ وبذلك فالعقل الراصد يكتشف ذلك التشابه العميق بين هذه “الدعوة الفيلدمانية” ومشروع “دولة الإخوان المسلمين”، عكس ما تُطالب به الاتجاهات السلفية “الماضوية” من “دولة خلافة واحدة”.
غير أن النوعين من اتجاه ما يُسمى كذباً بـ “الإسلام السياسوي”، يقبل بأي مشروع، يتوفر لهما تحت ذريعة ” الغاية تبرر الوسيلة”، وهو المبدأ المُتنافي مع روح العقيدة الإسلامية الحقيقية، والتي تكره قيمة النفاق و”التحالف مع الشيطان” الكافر، والذي في الحقيقة سيسخر منهما، وهو يرى تداعي وجودهما، بعد أن يؤديا الدور المرسوم لهما، بفعل الغفلة، وعدم إعمال العقل، لتثبيت العقيدة ونشرها بوجهها الحقيقي.
“فيلدمان” هذا اليهودي المتصهين بعد دراسة الدكتوراة في تجربة ” سقوط وصعود الدولة الإسلامية”، الكتاب المنشور بالعربية، هو الذي يدعو الولايات المتحدة الأميركية إلى احتضان وتبني “خيارات الإسلام السياسوي”، لتحقيق التغيير المطلوب، والخادم للاستراتيجيات الأميركية، عبر الضغط لإدماج هؤلاء في اللُّعبة السياسية في كل بلد مستهدف بالتفتيت مرحلياً، من منظور تكريس الدعوة لتطبيق النموذج الأميركي السياسي وفق وهم تحقيق “الدولة الديموقراطية”./ الحالة السورية أنموذجاً.
وبعد تمكين الميليشيات الإسلاموية من الجلوس في البرلمانات أو على كراسي السلطة بالانتخابات التقليدية، يُترك لهم الخيار، لاستخدامهم في ضرب وهدم المناعة الداخلية لكل دولة، بإثارة النُعرات المذهبية، والعرقية، والاجتماعية والثقافية، ضمن دورة تدمير وتفتيت ذاتية لكل كيان متماسك.
“لعبة فيلدمان” هي امتصاص فائض القوة، المتلبس بشكليات العقيدة وظاهرها وفهمها الإنسانوي القديم، لفرض نمطها عبر إعادة إحيائها من جديد، فتدخل المساحة كلها في حالة الاحتراب الذاتية، وكفى الغرب شر الاقتتال معها.
إن منطوق القاعدة التي يقوم مشروع فيلدمان عليها حسب المنشور عنها في أدبياته هي: ” جعل المسلمين يفعلون كل ما نريد، وهم يظنون أنهم يفعلون ما يُرضي الله ورسوله”، لذلك يعطيهم من معسول الكلام ما معناه” أن الإسلام والديموقراطية متوافقان”. وعبر هذا المُعطى، تطرح جماعة الإخوان المتأسلمين والسلفيون موافقتهم على دخول البرلمانات وهو النمط المُغاير، لنمطية “الشورى الإسلامية” التقليدية، من أجل التمكين، حتى يكون ذلك تكئة للصراخ الغربي بعد إزاحتهم، وتعطيلهم عن تسديد فاتورة التمكن السياسوي المطلوب غربياً.
والمكتسب الآخر المتحقق غربياً، هو تفرغ كل تلك التيارات المتسيسة لاحقاً، للقفز على وتعطيل ما تحقق من “منجزات العصرنة” التي طالت الحياة العربية والإسلامية، لتنشغل الأمة وعقولها في “فقه إطالة الثياب وتقصيرها”، و”إطلاق اللحى وإعفائها”، و”عدم خروج المرأة للعمل واحتجابها في البيت”، والكثير مما يرفع معدلات التوتر الاجتماعي الداخلي في كل وطن، بين دعاة الماضي وأصحاب مشاريع الحداثة، وكذلك ترويج الأنماط الفقهية القديمة، كمضادات لمشروعات التحديث العقلانية في المجتمعات العربية والإسلامية.
إن مشروع فيلدمان المُتَبنَّي لتمكين ما يُسمى الإسلام السياسوي، هو ما يعبر عن “فقه الغرب” في تفعيل هذا السلاح وتوظيفه “لامتصاص عناصر التشدد من كل دول العالم إلى الساحة العربية الإسلامية”، بدعوى إعادة بناء وتفعيل تطبيق الشريعة بها، وفضلاً عن ذلك إخراج الغرب أو الآخر من معادلة الصراع، لأنه يساعد هذه التيارات العقدية في التمكن من بلدانها، وهذا جهد يشكرونه عليه من وجهة نظرهم ومسلكهم السياسوي الانتهازي، وكذلك تعطيل “نظام الدولة الوطنية” عن تشكيل سياجات مضادة للغرب تنموياً، لتنتهي من وجهة نظر فيلدمان، لُعبة ما يُسمى “صراع الحضارات”، فنكون نحن والغرب، كما تقول اللهجة الدارجة المصرية “حبايب”!.
****
والسؤال الجوهري الخاتم في هذه التدوينة: أليس من العَجَبِ العُجَابِ أن يتبنى مُتَهَوِّدٌ أميركي صهيوني وأمثاله أحوال تنظيمات ما يُسمى الإسلام السياسوي، ويسعى بجهده التنظيري، لتمكين قطعان مليشياته من مفاصل الحكم في بلدانها، وتفتيتها باعتبار “الوطن حفنة من التراب العفن” برؤاهم الصهيوماسونية للعقيدة ؟
فهل أدركتم مدى المخاوف العميقة من مُنْتَظَرِ تجسدات الواقع في سوريا / الوطن المنتكب بأحداثه؛ مهما خَدَعُوكُم بالـ “هَرْتَلَة” حول الديموقراطية وأخواتها من شعارات؟!!