د.أمانى فاروق تكتب : الهوية الثقافية في مواجهة العولمة
حين تنظر في المرآة صباحًا، هل ترى وجهًا مألوفًا يعكس انتماءاتك وجذورك؟ أم أن ملامحك تذوب في مزيج من العادات والمفاهيم المستوردة من عالم بعيد؟ لم تعد الهوية الثقافية مسألة اختيارية أو نقاشًا نظريًا، بل أصبحت ساحة معركة يومية تتجسد في تفاصيل حياتنا؛ في لغتنا، ملابسنا، وحتى في طريقة تفكيرنا. فما الذي حدث لأصالتنا؟ وهل نحن في طريقنا لفقدان ذلك الخيط الرفيع الذي يربطنا بجذورنا في زحام العالم الرقمي؟ هذه التساؤلات ليست مجرد خواطر عابرة، بل هي مفترق طرق تقف عنده أجيالنا الجديدة بين ما كانوا عليه وما يطمحون أن يكونوا.
في مجتمعاتنا، تتسارع وتيرة التغيرات مع كل لحظة، حيث تجلب التكنولوجيا والعولمة معها تحديات تتغلغل إلى كل ركن من حياتنا. من منا لم يلاحظ هذا الصراع في اللغة اليومية، حيث تختلط الكلمات الأجنبية بالعربية في حوار لا ينتمي بالكامل لأي منهما؟ ومن منا لم يشهد تحول العادات والتقاليد في مناسبات اجتماعية كانت فيما مضى تجسد روح ثقافتنا، لكنها اليوم تأخذ شكلًا جديدًا قد لا يعبر عن هويتنا بقدر ما يعكس تأثرنا بالثقافة الغربية؟
وفي الوقت الذي يفتح فيه العالم الرقمي أبوابًا لا حصر لها للانفتاح على ثقافات جديدة، فإنه أيضًا يحمل في طياته خطرًا على هويتنا الثقافية. أصبحنا نعيش في واقع يومي تتداخل فيه الهويات بشكل لا واعٍ، حتى باتت مظاهرنا وسلوكياتنا مشبعة بملامح غربية، وأحيانًا نجد أنفسنا ننسى من أين أتينا. فهل نحن نعيش في حالة من الازدواجية الثقافية؟ هل يمكن للشباب العربي أن يوفق بين انتمائه وهويته وبين إغراءات العولمة؟
هذا السؤال يتجاوز مجرد التغيرات في الأزياء واللغة، ليصل إلى ما هو أعمق؛ القيم والتقاليد التي شكلت ثقافتنا عبر التاريخ. في بعض الدول العربية، نشهد محاولات جادة للحفاظ على الهوية من خلال المناهج التعليمية، الفنون، والأنشطة التي تعيد التركيز على التراث. لكن هذه الجهود غالبًا ما تواجه عاصفة من التأثيرات الغربية التي تنتقل إلينا عبر الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة، فتتسلل إلى أذهان الشباب وتحدث تغييرات جوهرية في طريقة رؤيتهم لأنفسهم وللعالم من حولهم.
وبينما تضع بعض الدول سياسات تهدف إلى تعزيز اللغة العربية والهوية الوطنية، نجد في المقابل دولًا أخرى تخوض معركة الحفاظ على هويتها ضد تيار العولمة الجارف، الذي يفرض نفسه بقوة من خلال التأثيرات الاقتصادية، السياسية، والثقافية. هذا الصراع المستمر يعكس التوتر بين الحداثة والأصالة، بين الانفتاح على العالم والحفاظ على القيم التي تمثل جذور الهوية.
إن الصراع بين الهوية الثقافية والعولمة ليس مجرد نقاش فلسفي، بل هو واقع ملموس يعايشه الشباب يوميًا. عندما يقف الشاب العربي اليوم أمام خياراته على الإنترنت، يختار بين الانتماء إلى هويته أو الاندماج في ثقافة عالمية متغيرة، وبينما يحاول الجمع بين الاثنين، يجد نفسه أحيانًا ممزقًا بين الماضي والمستقبل.
ختامًا، إن الهوية الثقافية ليست مجرد إرث نتناقله جيلاً بعد جيل، بل هي كيان حي يتفاعل مع كل ما يمر به من تغيرات وتحديات. لكنها في نهاية المطاف، تحتاج إلى وعي وإدراك عميق من الأفراد والمجتمعات للحفاظ عليها. كما أن النخلة تمد جذورها في عمق الأرض وترتفع نحو السماء، يجب علينا نحن أيضًا أن نرسخ جذورنا في هويتنا، بينما نرتقي بأفكارنا نحو مستقبل مليء بالفرص. ففي النهاية، التحدي الحقيقي ليس في رفض العولمة أو التكيف الأعمى معها، بل في إيجاد السبيل الذي يمكننا من أن نظل أوفياء لأنفسنا، ونحن نبحر في عالم لا يعترف بالثوابت.
———-
مدير مركز التدريب والتطوير – مدينة الانتاج الاعلامى