مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: بروباجندا “المُلحد”!

0:00

يمكن أن نتعاطف مع الغاضبين من تأجيل/ منع عرض فيلم “الملحد”، لو كانوا قد غضبوا من إفشال تصوير مسلسل رمضاني عن القائد المسلم خالد بن الوليد قبل 3 أعوام، وكذلك تعطيل تقديم مسرحية عن الإمام الشعراوي العام الماضي. منتخب المتعاطفين مع فيلم “الملحد” هم أنفسهم اسمًا اسمًا مَن احتشدوا من قبل ضد مسلسل خالد بن الوليد ومسرحية الشعراوي. الذين يرددون في ببغاوية مُتفردة الآن شعار: “الفكر يواجَه بالفكر؛ المنعُ ليس هو الحل”، هم الذين استشاطوا غضبًا فور الإعلان عن فكرتي المسلسل والمسرحية، ولم يغمض لهم جفن، أو يهدأ لهم بالٌ حتى استصدروا فرماني المنع ضد العملين وإجهاضهما في مهدهما، وراحوا يتبادلون التهاني يومئذ فرحين بما عملوا! المقارنة هنا لازمة ومُلزمة وواجبة؛ طالما تباكى مناصرو “الملحد” مُرددين أن المنع ليس حلاً! يعاني مناصرو “الملحد” من شيزوفرينيا متأخرة جدًا؛ فما يرضونه لأنفسهم لا يرضونه لغيرهم، وما لا يرضونه لأنفسهم يرضونه لغيرهم..بمنتهى الأريحية وبرود الدم والأعصاب!
من المؤكد أن عملاً فنيًا عن سيف الله المسلول أو إمام الدعاة أفضل كثيرًا على جميع الأصعدة والمستويات من جميع أعمال مؤلف “الملحد” التي تميل دائمًا إلى المباشرة والخطابية وتتسم بالسطحية المفرطة، وقدر غير ضئيل من السماجة، وتغليب وجهة النظر الشخصية، والغمز واللمز في الإسلام: قرآنًا وشريعة وتراثًا، ولعل أفلام: “الضيف” و”مولانا” و”صاحب المقام” ومسلسل “فاتن أمل حربي” أدلة دامغة وواقعية على ذلك. لم يُتقن مؤلف “الملحد” –إن كان هو صاحب القصة أصلاً؛ خاصة بعد اتهامه بالسطو عليها في دعوى قضائية منظورة- أسرار الصنعة الفنية بعد، ولا يجتهد في سبيل ذلك، ولن يصل إليها بطبيعة الحال وهو يلامس عامه الستين!
يزعم صُناع الفيلم: مؤلفًا ومخرجًا ومنتجًا وممثلين –وهم يعلمون أنهم كاذبون- أن “الملحد” يدافع عن الإسلام، وتلك فريَّة وأكذوبة كاملة الأركان؛ فلم يتم ضبط أيَّ منهم من قبل في موقف المنافح عن قيمة أخلاقية أو دينية، لا سيما المؤلف نفسه الذي دأب في العشرية الأخيرة، عبر وسائل إعلام محلية وغربية، على تجريح الإسلام في إصرار غريب وعدوانية مُمهنجة ومُمولة؛ لا سيما أنه يتربح من وراء ذلك كثيرًا جدًا!
ربما تكون هذه البروباجندا من صناعة أصحاب “الملحد” أنفسهم؛ لإثارة الاهتمام بالفيلم والترويج له مجانًا؛ لا سيما في ظل حملات المقاطعة التي ملأت الفضاء الإلكتروني خلال الأسابيع الماضية في سابقة غير معهودة. واللافت في الأمر أن شبابًا غير مؤدلج ولا ينتمي إلى فرق وجماعات دينية، هم من يتبنَوَنَ هذه الحملات ويدعمونها، وهذه حقيقة ساطعة يتغافل عنها صُناع “الملحد”، ومؤلفه تحديدًا الذي دأب على تحميل التيارات الدينية –مهما كان اعتدالها- كل شيء وأي شيء! لا يريد مؤلف “الملحد” أن يصدق أن رصيده نفد عند عموم المصريين الذين يرفضون العبث بهويتهم الدينية والسخرية منها وازدرائها تحت ستار الفن، وبدا ذلك واضحًا من غضبتهم عند الإعلان من قبل عن مؤسسة “تكوين”، ومؤلف “الملحد” أبرز أعضائها الآن، خاصة بعد استقالة “كبيرهم” والقبض على “صغيرهم”!
ومما يُذكر في هذا السياق أن المصريين ليسوا غاضبين ولا مفزوعين ولا مرتعدين من عمل فني يناقش إشكالية الإلحاد، كما يروح صُناع الملحد والمدافعون عنه؛ لا سيما أن السينما المصرية أنتجت من قبل عديدًا من الأفلام الطويلة التي تطرقت إلى مناقشة هذه القضية مثل: “الأخوة الأعداء” و”لقاء هناك”، وكان نور الشريف قاسمًا مشتركًا في معظمها، ولم يطالب أحد يومئذ بالمنع ولا المصادرة ولا الحجب ولا المقاطعة، ولا ملاحقة ضُناعها قضائيًا؛ لأن هذا كان فنًا بكل تأكيد، وليس بضاعة راكدة بائرة منتهية الصلاحية!
إذا لم يكن ما يحدث الآن هو “بروباجندا” مقصودة من صُناع “الملحد” لأسباب دعائية رخيصة، فإنَّ مؤلف الفيلم سوف يتعامل كالعادة مع هذا الموقف بانتهازية أشد رخصًا، وسوف يتاجر بالموقف داخليًا وخارجيًا؛ خاصة أن جانبًا كبيرًا من ثروته جمعه بهذا الأسلوب، وقد بدأ ذلك على نطاق واسع خلال الساعات الأخيرة عبر منصات مختلفة!
وإذا كان هناك موقف “رسمي” من هذا الفيلم بالمنع والحجب والحظر، فإنه سوف يثمر حتمًا نتائج شديدة الإيجابية والأهمية، من بينها مثالاً وليس حصرًا: تأكيد الدولة المصرية انحيازها للهوية الإسلامية والدفاع عنها ضد أي مغامرات أو تجاوزات أو سخافات أو شطط، وأن ما حدث في سنوات سابقة، سواء بشكل مقصود أو بحُسن نية، لم يعد قابلاً للتكرار. من النتائج الإيجابية أيضًا لـ”رسمية” المنع والحجب إرسالُ رسالة إلى الأفاعي التي تبث سمومها ضد الإسلام على مدار الساعة، عبر الفضاء الإلكتروني أو وسائل الإعلام شبه الرسمية، مفادُها: “انتهى الدرس أيها الأفاعي، ادخلوا مساكنكم؛ فلن يصح في الأخير إلا الصحيح، والإسلام لم يعد ميدانًا للعبث واللهو والمجون الفكري والفني وإلهاء الرأي العام”!

زر الذهاب إلى الأعلى