مايسة السلكاوى تكتب: دولة المماليك 3/4
الغدر .. وبه بدأ المماليك حكمهم فى مصر، حين غدر بيبرس بقائده سيف الدين قطز بعد إنتصاره على المغول فى عين جالوت ، وظلت هذه الصفة منهجهه طوال فترة حكمه على مدى 17 سنة ، فاستخدمها مع كل من يشك فى ولائه دون تحقق .
بعد التخلص من قطز أعلن بيبرس ولايته على مصر ودخل القاهرة وسط هتافات الأهالى تماما مثلما كان الحال مع قطزعند عودته منتصرا ، لتبدأ دولة المماليك البحرية لمدة 122 سنة والتى أسسها بيبرس البندقدارى وكان عبدا مملوكا اشتراه السلطان الصالح أيوب .
استطاع الظاهر بيبرس استمالة الأهالى وكسب محبتهم بعد سيطرته على الأمن فشاع الإستقرار ، وحرص على استعادة الخلافة العباسية لمكانتها بعد أن قضى عليها المغول فى بغداد ، على أن يكون مقرها القاهرة فاستضاف الخليفة فى القلعة كرجل دين شرفى لا يشارك فى الحكم لكنه فقط لإعطائه شرعية الحكم فكان حكمه قائما على حكم الرجل الواحد . أمضى بيبرس سنوات حكمه فى محاربة المغول حتى وفاته حيث دفن فى دمشق .
أعقبه السلطان قلاوون الذى بدوره استبعد أبناء بيبرس عن الحكم ، وتناوب ابنائه السلطة وتعتبر فترة حكم ابنه الناصر أطول فترة فى حكم المماليك إذ استمرت 50 سنة كان الناصر حاكما قويا قاسيا حتى على مماليكه ، فكانت فترة إستقرار شيدت خلالها الكثير من المساجد والمدارس ومنها مجموعة قلاوون ومسجد السلطان حسن ويعتبر درة المساجد فى العالم الإسلامى ، تلكف انشاؤه أمول باهظة تعدت 2 مليون درهم ، إلا أن صاحبه لم يدفن به إذ لقى حتفه على يد قادته العسكريين ، بعد محاولته الحد من نفوذهم ويقال انه ألقى فى النيل .
كان إنتشار وباء الطاعون من أسباب زوال المماليك البحرية لما تسبب فى نقص شديد فى السكان ومنهم جنود المماليك وفى الوقت نفسه عودة غارات المغول بقيادة تيمور لنك مما اضطرهم الإلتفاف حول القائد برقوق لمساعدتهم ، ليصبح برقوق أول سلطان جركسى يتولى الحكم بعد عزله للسلطان “حاج” وإزاحة الخليفة العباسى مؤسسا دولة المماليك البرجية و التى استمرت 135 سنة حتى الغزو العثمانى لمصر .
وبالتدريج فقد المماليك خلال حقبتهم هذه الثفافة العسكرية والتعليم الدينى والسماح بالمعيشة خارج القلعة وبناء مساكنهم فى الأحياء المختلفة والإختلاط بالسكان وتبنى ثقافة المجتمع المصرى.
كان المجتمع المصرى خلال حقبة المماليك يتكون من ثمان طبقات هى المماليك ، المعممين -علماء الدين- ، التجار، أصحاب المهن فى المدن ، أهل الذمة ، الفلاحين ، الأعراب ، الأقليات الأجنبية . يمثل المماليك الطبقة الأرستقراطية يحكمون البلاد ويتمتعون بمعظم خيراتها وتشهد بذلك حياة الترف التى يعيشونها ، استطاع المعممين والتجار أن يحتفظون لأنفسهم بمكانة مرموقة تسمح لهم بحياة كريمة ، أما بعض العوام والفلاحين فكانت حياتهم أقرب إلى البؤس .
كانت التجارة المصدر الأول للثروة الهائلة ، ويرجع سبب النشاط التجارى إلى غلق معظم طرق التجارة بين الشرق والغرب بسبب توسع المغول وحروبهم المستمرة فكان البحر الأحمر ومصر الأكثر أمنا مما جعل دولة المماليك هى الوسيط بين الشرق والغرب وازدادت بعد توقف الحروب الصليبية مما أنعش الحالة الإقتصادية لدولة المماليك فى مصر وبلاد الشام .
طبقة التجار من الطبقات المرموقة فى تلك الفترة وتتكون من السماسرة والتجار الأجانب وتجار الجملة وموزعى السلع الفاخرة وكان لهم دورا كبيرا كوسيط للتبادل التجارى بين مصر وآسيا ، وكان التجار يتعاملون مباشرة مع دولة المماليك وتوثقت علاقاتهم مع نظام الحكم فكانوا بمثابة مستشارين ماليين لهم ، استثمر بعض الأمراء فى قوافل تجارة التوابل وتبادل القطن مع البندقية وغيرها من المعاملات .
لكن فى السنوات الأخيرة من حكم المماليك بدأت الدولة فى القيام بمهام التجار وحدها وبرعاية السلطان وإحتكارالأنشطة الإقتصادية وفرض المزيد من الضرائب على الأهالى حتى أصبحت التجارة من أنشطة الحكومة !
أما بالنسبة للزراعة ، أدرك المماليك أهميتها بوصفها عماد الثروة القومية فأنشأوا الجسور وشقوا الترع ، وتم تقسيم أراضى مصر إلى إقطاعات بمساحات متفاوته وكذلك خصوبتها ومحصولها ، وقسم فدان الأرض إلى 24 قيراط منها 4 قراريت للسلطان و10 قراريط للأمراء والباقى للجنود وهم مماليك أيضا ! وعلى الفلاح أن يزرع الأرض بأدوات بدائية جدا عرفت منذ أيام الفراعنة . ظل الفلاح يفلح الأرض دون أن يتمتع بنصيب يذكر من خيراتها وعاش حياتة فى فقر وحرمان . بالإضافة إلى تعرضة لكثير من العسف والظلم سواء من أمراء المماليك أو من الأعراب فكانوا يهجمون على القرى وينهبونها مما تسبب فى موت كثير من الفلاحين وتشردوا فى البلاد .
أما الصناعة فارتقت المصنوعات الفنية من الأوانى النحاسية والزجاج والخشب وشاعت صناعة الحرير والصوف والكتان وازدانت بها متاحف العالم سواء من مصر أو من طرابل وصيدا وبيروت .
..عموما جمع المماليك بين المتناقضات التى لا يمكن أن نجدها فى أى من الأمراء أو الحكام على مر العصور ، وعلى الرغم من كونهم من أصول متواضعة تميزوا بالغدر والعنف وسفك الدماء ، إلا أنهم كان منهم من يميل إلى الفنون والهندسة المعمارية والقانون والفلسفة وعلوم الدين ومنهم من برع فى الإدارة مما جعل دولتهم وخاصة مصر قوة مسيطرة بين دول البحر المتوسط .
يتضح ذلك فى ملابسهم ومساكنهم وعمائرهم ذات الأذواق الرائعة وما بها من جمال تتزين بها القاهرة إلى الآن من مجموعة قلاوون والناصر وجامع السلطان حسن وجوامع برقوق والمؤيد والأشرف قايتباى وجمال العمارة فى قباب قبور المماليك .
.. وللحديث بقية مع المماليك فى ظل الحكم العثمانى .