مايسة السلكاوى تكتب: مالية مصر .. فن الحساب 2/ 1

كل نواحى الحياة المادية الآن ومهما بلغ تقدمها يرجع أصولها إلى التراث إلى الماضى العريق .. لا حضارة أو تقدم إلا بالعودة إلى الأصول .. والفرق بين مجتمع متحضر وآخر فى بدايات الطريق فى مدى تجاوبه من آليات التقدم والتعامل معه . فالإعتماد على الحضارة وحدها لا يكفى .
هذا ما ينطبق على “المالية ” بشكل عام ولا أعنى البنوك فحسب ولكن كل تعامل يبدأ وينتهى مع المال ، الخزانة ، الضرائب ، الجمارك ، وغيرها وهى تعاملات عرفها المصريون القدماء وامتدت آفاق حضارتهم إلى العالم واستفادوا ولا مازالوا يستفيدون منها .
دروس التاريخ علمتنا أنه كلما واجهت مصر محنة أو شدة أو حتى ظرفا إستثنائيا ، نستدعى تراثنا وتاريخنا لنستفيد من تجارب الأجداد مع الأخذ فى الإعتبار آليات العصر . سنوات طويلة جدا عانت خلالها مصر من شتى أنواع الغزو الخارجى فتجمدت ما حققته حضارة المصرى القديم .
ومع بداية القرن التاسع عشر حيث بدأ تأسيس مصر الحديثة ويرجع الفضل إلى محمد على باشا فكانت البداية من الصفر ، فأهتم بوضع الأسس اللازمة لبناء دولة حديثة ، فكانت البداية بالنظام المالى للدولة ، وظلت المالية قلما من جملة أقلام الديوان الخديوى يعرف بديوان الخزينة إلى أن استقلت 1822م باسم ديوان الخزينة المصرية وفيما بعد نظارة المالية ثم وزارة المالية .
اختص ديوان الخزينة بأمور الجمارك والضرائب وسك العملة وإرسال الجزية إلى الباب العالى ، وإرسال الرواتب وكل ما يلزم لمواطنى الحرمين الشريفين وهدايا الأستانة .
فى ذلك الحين أصدر محمد على أوامره إلى مأمور ديوان خديوى بأنه تم إعداد مكتب رئيس المحاسبة لتعليم ” فن الحساب ” حيث تم إختيار 14 من الكتبة الماهرين لتعليم هذا الفن فى أقرب وقت ممكن على أن يتولى كل شخص منهم 20 فردا ليقوموا بتدريبهم ، نلاحظ هنا ادراك أهمية التدريب والتى لم نستوعبها إلى الآن ! وجاء فى الأمر أيضا أن باشكتاب المصالح الأخرى إذا ابدوا رغبتهم فى أن يكونوا معلمين لهذا الفن ، فيتم إعطاء لك واحد 8 أولاد لتعليمهم .
ويرجع سبب قرار تعليم فن الحساب إلى انه عند فتح مكتب محاسبة بديوان الجهادية وكان المطلوب شخص واحد تم اختيار 30 من تلاميذ “الدرسخانة” المدارس ليكونوا محاسبجية ” محاسبين ” لكن لم يصلح منهم سوى 8 تلاميذ لعدم معرفتهم بفن الحساب فتم الإستعانة بالعاملين بديوان مصر والخزينة للعمل بمكتب المحاسبة .
تم اتخاذ قرارات لمنع الغش وطبط الأسعار ، فكان الشائع حينها تغيرأسعارالمأكولات سريعا وبصورة متلاحقة إلى أن استقرت فى الفترة من 1820م إلى 1825م ومن 1826م إلى 1836 م فيما يشبه الخطة الخمسية وأعتقد انها لم تعد موجودة حاليا ! لذلك قرر مجلس المشورة ضرورة دمغ الدراهم التى تعطى للباعة فى الأسواق على أن يتم ضربها تحت إشراف ناظر الباقرخانة وبعد تحديد عيارها ودمغها ترسل للضربخانة لتدمغ ثم تطرح للتداول ، ثم أصدر محمد على قرارا بأنه من إختصاص كل حكومة وضع القواعد المؤثرة فى طبط وربط معاملة رعاياها ومنع الغش لذلك تقرر وضع تعريفة للدمغة للالتزام بها فى كافة المعاملات ، فلا يعتد بأى ورقة حكومية أو عقد إيجار أو وثيقة أو تحويل أو مستند ما لم تكن على ورق تمغة ويسرى ذلك على الأجانب والأهالى وينطبق أيضا سندات التحويلات التى ترد مصر من الخارج لأى جهة حكومية ، على أن يتم اعداد وتوزيع التمغة بمعرفة ديوان المدارس وتحصيل رسومها بخزينة المالية .
وكان التعامل فى السوق المصرى فى تلك الفترة يتم بالعديد من العملات ولكن كل العملات المصرية بمختلف فياتها كانت من الذهب منها بندقى ذهب ودوبلين ذهب وخيرية مصرية ذهب ومن العملات الأجنبية ريال فضة فرنسى وقرش اسلامبولى فضة . وعموما اعتدمت العملات المصرية المتداولة على مر العصور على معدنى الذهب والفضة أما النحاس فلم يحظ باستحسان لدى أهالى المحروسة وتجارها وتم التعامل به فقط فى فترة السلطان برقوق وكان يطلق على النقود النحاسية “الفلوس” حتى خلط النحاس بالفضة قوبل بالرفض التام من التجار وأصحاب المهن لتغير لون العملة مع طول الإستخدام .
أما الجنية المصرى فظهر عام 1877م حين قررت الحكومة المصرية اعتبار الجنية المصرى وحدة للنقود وأن تكون وحداته الصغرى هى المليم وكل ألف منها يعادل الجنية وكل 10 مليمات تساوى قرشا من العملة القديمة .
وللحديث بقية ..