مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: لماذا “أسامة أنور عكاشة” يا عمتي؟!

0:00

في الأيام القليلة الماضية حلت الذكرى الرابعة عشرة لرحيل الكاتب الفذ “أسامة أنور عكاشة” (27 يوليو 1941م _ 28 مايو 2010م)، ولما كانت الأشياءُ تتميز بضدِّها، فإن مَن يُشاهد حوارات المسلسلات الآن لا بد أن يترحمَ على “عكاشة”، إنه لا يترحم على الشخص فقط، بل يترحم على رُقي الكلمة، وجمالِ الفكرة، ورصدِ الواقع، واستشرافِ المستقبل، الطبخة كلها حلوة ومفيدة وليست (Take away).

ارتبط المواطن العادي بقلم “أسامة أنور عكاشة” لأنه وجدَ فيه تجسيدًا لحياته، وتعبيرًا عن مُعاناتِه، وأفراحِه وأتراحِه، الطفل الذي يبحث عن الحدوتة فقط سيجدها وستجذبه جذبًا، والشاب الذي يبحث عن شبيهه الذي حقق أحلامَه أو لم يُحقق سيجد نفسه، مَن يبحث عن الأصالة، جدعنة أولاد البلد، البُعد السياسي، رُوح مصر والتغيرات التي مرّت بالمجتمع وناسه، كلٌّ سيجدُ ضالَّتَه، كلُّ الفئات ستجدُ تجسيدًا لها، يَدُقُّ جرسَ الأنذار ويُحيي الآمال، ويؤكدُ أن الإنسانَ ليس بملاكٍ ولا بشيطان، إنه يَحمِلُ في تكوينِه الخيرَ والشر.

قبل “أسامة أنور عكاشة” كان العَوَامُّ يَعرفون المُمثلَ ويرتبطون به، وليس للكاتب أو المُخرج موقعٌ لديهم، ومع “عكاشة” ارتبط العوامُّ باسم المؤلف، وبدأوا ينتظرون مسلسلاته، ثقةً أنهم يرتقون ويفوزون ولا يخسرون، فهو يعرف النفسَ البشريةَ جيدًا، وترى تطورَ الشخصيةِ لديه يَنسجمُ مع ما مرَّتْ به، وما يُمكن أن يَحدُثَ لها بالفعل. أتذكر أن عمتي “صفية” _ رحمها الله _ قالت لي يومًا: (أنا محتاجة “أسامة أنور عكاشة” يسمع حكايتي ويكتبها مسلسل)، لماذا “عكاشة” وحدَه يا عمتي والكُتَّابُ والمؤلفون كثيرون؟! الإجابة أن “عكاشة” عبّر بصدقٍ عن الناس، والفنُّ عند “عكاشة” يعكس الواقعَ دُون ابتذالٍ أو إسفاف، الفنُّ عند “عكاشة” رسالةٌ راقيةٌ حَقًّا.

وكما ارتبط “عكاشة” بالناس ارتبطَ بالمكان، الحارة والحي والمدينة، ليربط الناسَ بالجذور، ويُعلنَ أن المستقبلَ لا بُدَّ له من ماضٍ يَستند إليه، وجذورٍ تُثَبِّتُه وتُقويه، فأنت تعرف ما سيكون بما قد كان، ومعرفةُ التاريخ ضروريةٌ لفَهم الواقع والمستقبل، والتاريخُ الشعبيُّ ضرورةٌ كالتاريخ الرسمي، وهو ما فطِن إليه “عكاشة”.

قيصرُ الدراما دخلَ البيوتَ مُستأذِنًا كما يقولُ كِتابُ الأصول، ودخلَ القلوبَ بلا استئذان كما يقول كتابُ المحبة، فجلسَ مع الناس في (وسط الدار)، وسكنَ أكرمَ رُكنٍ في قلوبهم، ولم يُقَسْ نجاحُه بما حققه من مكاسبَ مادية، بل بخلُوِّ الشوارع من المارَّة حين كانت تُذاع أعمالُه.

مِثْلُ “أسامة أنور عكاشة” لا يَمُرُّون بالدنيا كثيرًا، ولكنهم إذا مَرُّوا بها حَتمًا يَتركُون بَصمة.

زر الذهاب إلى الأعلى