مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: متى تعرف قيمة أبيك؟!

يظن الصغيرُ دومًا أن الأبَ ما هو إلا قيد، يُعطل مسيرتَه في الحياة، ولا يُضيف إليه شيئًا إلا (تعب القلب)!! ويتمنى داخله أن يتحرر من هذا القيد ليعيشَ حياتَه كما يريد، بعيدًا عن قائمة الممنوعات و (اِفعلْ ولا تفعلْ)؛ فالحرية جميلةٌ بلا شك، والنفسُ تتوق إلى عدم التكليف، لكنَّ كلَّ واحدٍ منا مُعْجَبٌ بعقله، وكما تقول الأدبياتُ الشعبية: (ربنا خلق العقول في ساعة رضا، فكل واحد مُعجب بعقله).

يتأخر سِن الفِطام لمعرفة قيمة الأب كثيرًا؛ إذ تظل الرغبةُ في مقاومة تعليماته أو إرشاداته قائمة، حتى يتعرضَ الواحدُ منا لمصاعبِ الحياة ويُعاركها، فتلطمه، ليبدأ في تذكر إرشادات أبيه، بعد أن كان الأبُ بالنسبة له قيدٌ وماكينة (ATM) ينبغي ألا تخلو من النقود وألا يحدث بها عُطل!! ولعلني أتذكر قولًا كان يتمثل به والدي _ رحمه الله _: (تظنُّ الأُمُّ والولدُ الصغير، أن الأبَ على كل شيءٍ قدير)!! وهذه نظرةٌ تتمحور حول التمويل، الأبُ فيها هو العائلُ المادي فقط وليس ربَّ الأُسرة الذي ينبغي أن يكون قيِّمًا عليها، يُعطي من خبراته الحياتية ما يُساهم في بناء مستقبلِ أبنائه فلا يتم الاستغناءُ عن دوره في التربية وتركُه للمجتمع.

أن تقوى في وجود أبيك، أمرٌ مهم، فتتعود ألا تنهارَ أمام مشكلاتِ الحياة ومصاعبها وهي حتمية لا بد أن تقابلك، وأن تُفرق بين القيم الحقيقية والقيم الزائفة بفضل نُصحه أمرٌ مهم، يساعدك أن تسير على الطريق الصحيح وأن تُحاذرَ حُفَرَه ومطباته التي لا بد من وجودها، لكن الأب يضع العلامات الإرشادية التي تنبهك أثناء السير إلى منحنيات ومطبات وسرعات الطريق، وأحيانًا يقسو عليك (وَمَن يَكُ حازِمًا
فَليَقسُ أَحيانًا وَحينًا يَرحَمُ).

ولكن متى يعرف الأبناء قيمة الآباء؟! نتمنى أن يكون ذلك في حياتهم لا بعد مماتهم، لكنك بعد انتقال الأب تبدأ في استرجاع مواقفه والنظر إليها وتحليلها بصورة أكثرَ نضجًا لتقول: (كان أبي على حق حين فعل كذا / كانت وجهة نظر أبي في كذا هي السليمة / كانت نظرة أبي لفلان حقيقية وواقعية / كان أبي يفهم حقيقة الدنيا أفضل مني ويعرف الناس حق المعرفة …. إلخ).

ليس كلُّ الآباء سواء وكذلك الأبناء، وكثيرون يستطيعون الإنجاب، قليلون يستطيعون التربية، والأزمان تتغاير ولا بد للأبناء من تجربةٍ خاصة وليتهم يستلهمون الماضي وهم يسيرون نحو المستقبل، فلا تبدأ من نقطة الصفر، ولا تهدم بناءً يمكنك أن تَزيد عليه، إذ الأحداث تتكرر، ومعرفة تاريخ الحياة يُعينك على مجابهة المستقبل، فلا تتخلَّ عن تاريخك فتفقدَ مستقبلك.

زر الذهاب إلى الأعلى