حازم البهواشي يكتب: التوراة والتلمود
اعتمدتُ في معلومات هذا المقال وكثير من ألفاظه نصًّا على كتاب (بنو إسرائيل في القرآن والسنة) للإمام الأكبر الراحل “د. محمد سيد طنطاوي”.
نعرف جميعًا أن الكتاب الذي أنزله الله على سيدنا موسى عليه السلام هو التوراة، وهي كلمةٌ عبرية معناها الشريعةُ أو التعاليمُ الدينية، ولكن هل كتابُهم الذي بين أيديهم الآن هو الكتاب الذي أُنزِل على سيدنا موسى عليه السلام؟!
اعتمدَ اليهود (39) سِفرًا أُطلِق عليها اسم (العهد القديم)، يُطلقون على خمسةٍ منها اسمَ (التوراة) أو (كُتب موسى) إذ يزعمون أنها هي المُنزلة على موسى عليه السلام وقد كتبها بنفسه!! وهذه الأسفار هي: سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر التثنية، وسفر اللاويين، وسفر العدد، أما الـ (34) سفرًا الباقية فتُنسب إلى أشخاص كتبوها بعد موسى عليه السلام بأزمان متفاوتة، ويُطلق عليها أيضًا _ تجوزًا مع الأسفار الخمسة السابقة _ اسم التوراة.
والسؤال الآن هل هذه الأسفار هي المنزلة على موسى عليه السلام أم لحق بها التحريف والتبديل؟! يقول الإمامُ الأكبر الراحل “د. محمد سيد طنطاوي” (28 أكتوبر 1928م _ 10 مارس 2010م): “إن الذي ينظر في هذه الأسفار، يجد فيها مِن التناقضِ والافتراء، والانحرافِ عن الحق، وسوء التعبير ما يجعله يحكم عليها بأنها في مجموعها ليست هي التوراةَ التي أنزلها الله تعالى على موسى” ثم يذكر بعض الأدلة على ذلك منها:
انقطاعُ سندها، فالتوراة الموجودةُ حاليا ليس لها سندٌ متصل إلى موسى عليه السلام، بل إن فيها ما يدل دلالةً قاطعة على أنها كُتبت بعده بزمن طويل!! فمثلا في سفر التثنية: (فمات موسى عبدُ الرب في أرض مؤاب ولا يَعرف شخصٌ قبره حتى يومنا هذا)!! فهل هذا نصٌّ كتبه موسى أم كُتِبَ بعد وفاته؟!
مَتْنُ التوراةِ الحالية محشو بالقصص والعبارات والمتناقضات التي تتنزه الكتبُ السماويةُ الصحيحةُ عن ذكرها، فمثلًا في سفر التكوين: ” الله تعالى بعد أن خلقَ السماواتِ والأرضَ في ستة أيام، استراح في اليوم السابع، وكان يومَ سبت، وأن الله قد بارك هذا اليومَ من أجلِ ذلك فحرَّمَ فيه العمل”!! تنزه الله سبحانه عن كل نقص!! “وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ” ( ق _ 38 ).
كما تنسِبُ لبعض الأنبياء أعمالًا قبيحةً لا يمكن تصورُ حدوثها من سفلة الناس ناهيك عن حدوثها من نبي كريم!! فابنتا لوط سقيا أباهما خمرًا حتى فقد وعيه واتصلتا به لتُنجبا منه ذرية فلا ينقرض نسله!! وهناك نصوصٌ أخرى فيها تطاولٌ على بعض الأنبياء كآدم ونوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وحتى موسى وهارون وداود وسليمان عليهم صلوات الله وسلامه !! وغير ذلك كثير من الافتراءات والتناقضات ما يدل أن اليهود كتبوا هذا الكلام انعكاسًا لأخلاقهم، ولكثرةِ من اشترك في كتابتها امتلأتْ بالأخطاء والمتناقضات والافتراءات!! وكان مقصدُهم الأول إظهارَ الشعب الإسرائيلي بمظهر الشعب المقرب إلى الله والمفضل على غيره من الشعوب.
ولليهود كتابٌ آخر لا يقل في منزلتِه لديهم عن التوراة، وهو (التلمود) والمعنى التعاليم والآداب الدينية لليهود، وهو يتكون من شيئين:
الأول: (المشناة) أي الشريعة المكررة فهي تكرار وإيضاح وتفسير لما ورد في التوراة، جمعها علماءُ اليهود ومجتهدوهم في (63) سِفرًا أُلفت ْخلال القرنين الأول والثاني الميلادي.
والثاني: (الجمارا) التي هي عبارة عن حواشي وتعليقات وتفسيرات للمشناة، وقد تم تأليفها في فتراتٍ طويلة امتدت من القرن الثاني إلى نهاية القرن السادس الميلادي.
ويَعتقد معظمُ اليهود أن التلمود كتابٌ مقدس، ويضعونه في منزلة التوراة، ويرون أن الله تعالى أعطى موسى التوراةَ على طور سيناء مدونةً، وأرسل على يده التلمود شفاهًا، بل إن بعضهم يضعه في منزلة أسمى من منزلة التوراة!
وقد احتوى التلمود على كثيرٍ من الأكاذيب والمفتريات التي لا يقبلها عقل، منها أن الله _ حاشاه سبحانه _ يلعب مع ملك الأسماك! وأنه ندم لما أنزله باليهود بالهيكل وظل يصرخ ويقول الويلُ لي لأني تركتُ بيتي يُنهب، وهيكلي يُحرق، وأولادي يُشتتون!! وأنه يجب على كل يهودي أن يبذل جهده لمنع تسلط باقي الأمم في الأرض، وأنه مُصرح لليهودي أن يغش غيرَ اليهودي ويحلف له أيمانًا كاذبة!!
إن همجيةَ التعاليم الصهيونية أصبحت لا تخفى على أحد، لكنَّ تأصيلَها واجب.