مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: خطاب جديد لمواجهة الإلحاد

0:00

فى مصر ملحدون بلا شك. دعك من الأرقام والتقديرات؛ فالإلحاد شأن معنوي، وليس كل ملحد يعلن إلحاده. ظاهرة الإلحاد في بلد الأزهر الشريف والألف مئذنة واقعة لا محالة، ولا مجال لنفيها أو التحايل عليها أو السكوت عنها، بل ينبغي الاهتمام بها تدقيقًا وتمحيصًا وتحليلاً وعلاجًا من الجذور.
الجهات المعنية في مصر أقرَّت واعترفت فى بيانات رسمية ومُعتمدة بالوتيرة المتسارعة لأعداد الملحدين. بعض الملحدين يجاهر بإلحاده عبر حساباته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعى، بل ويروج له ويدافع عنه باعتباره صراطًا مستقيمًا. وبعضهم يتجمع فى مقاهٍ معروفة وأماكن معلومة، يتبادل الأفكار الإلحادية. وبعضهم يبشر بالإلحاد عبر كتاباته بالصحف الرسمية وشبه الرسمية، نظير أجور سخيَّة. وبعضهم يؤلف كتبًا إلحادية، لا تتعرض للمصادرة أو الحظر أو التضييق، وبعضهم يخفي إلحاده. وجميعهم ينهل من معين واحد، يحمل على كاهله الطعن فى الإسلام: عقيدة وشريعة!!
مبدئيًا..الإلحاد هو: “إنكار وجود الله”. والملحد هو: “المنكر لوجود الله والأنبياء والرسالات السماوية وللحساب بعد الموت”.
أحد زعماء هذا التيار فى مصر دائم التطاول على الذات الإلهية ونبى الإسلام والقرآن الكريم والإسلام بصفة عامة. وهو مَن ادعى يومًا بهتانًا وزورًا أن “الفاشية الدينية بدأت منذ فتح مكة”، وهى الفريَّة التى تلقفها بعض الصغار هنا، وزادوا عليها وضاعفوها. كما إنه يُكرِّس حياته لمهاجمة الإسلام والنيل من النبي صلى الله عليه وسلم، ويردد فى أى مُحفل يُدعى إليه داخل مصر أو خارجها: أن “الإسلام لم يُقدم للإنسانية أي شيء جديد أو أي إبداع خلاّق”! كما يزعم أن “الإسلام -كحضارة – هو فى مرحلة شيخوخة ولا يقدم جديدًا، ولا يجيب عن التساؤلات المُلحة للقرن الحادي والعشرين”. ويتساءل ساخرًا بشأن القرآن الكريم: “أي إصلاح يُنتظر من شعوب تقدّس نصوصًا جامدة عقيمة لا فائدة منها”. وهو من يؤمن بـ”أن القرآن حجرة عثرة فى طريق تطور المسلمين؛ لأن الإصلاح يبدأ وينتهى بالنص القرآنى”!
ولا تزيد بضاعة هؤلاء شيئًا مذكورًا عما ردده الأقدمون من الكارهين للإسلام بالسليقة وأوردوه فى كتبهم، وما تعجُّ به الإسرائيلياتُ من افتراءاتٍ ومزاعمَ وأكاذيبَ، مع مزجها بما تنتجه رؤوسهم من خيالاتٍ وأوهامٍ وأمراضٍ وأدرانٍ.
مثل هذه الظاهرة بتداعياتها وآثارها الوخيمة، لا يمكن التغافل عنها وتجاهلها؛ فخطر الإلحاد على شباب المسلمين في ظل عالم لا يعترف بحواجز أو حدود، فضلاً عن سهولة وصول المعلومة، والانتشار الواسع للأفكار مع الانفتاح على كافة الحضارات والأفكار والفلسفات، مصيبة كبيرة، لا ينبغى التخفيف والتهوين من آثارها، والانشغال بما هو أدنى منها.
قبل أعوام قليلة، انتفضت بعض المؤسسات الدينية والثقافية؛ بغرض التصدى لظاهرة الإلحاد، إلا أنه سرعان ما فتر الحماس، وضعفت العزيمة، واستشرى الهوان، فى الوقت الذى لم يتوقف فيه رسل الإلحاد عن بث سمومهم عبر أذرع ألكترونية وإعلامية مختلفة رسمية وشبه رسمية، فى ظل دعم غير محدود مِن بعض مَن فقدوا عقولهم، ووجدوا فيما يتم ترويجه، فتحًا فكريًا وإنسانيًا جديدًا، ودينًا جديدًا ينسخ ما سبقه من أديان!
إنَّ الصمت عن مثل هذه الأمور يُعتبر خيانة للأمانة، والتغافل يُعدُّ تهاونًا بحق الدين، وتقصيرًا بحق الأجيال الجديدة، الذين يسقطون بسهولة منقطعة النظير فى “الأفخاخ الإلحادية”، المتناثرة على الشبكة العنكبوتية، والتى لا تتعرض للحظر أو الحجب وتحظى بدعم مالي ومعنوي غير محدود، ما يثير مزيدًا من الشكوك، ويطرح الكثير من علامات الاستفهام.
نحن بصدد قضية جادة ومُلحة ومتنامية الخطورة، ويجب أن تحظى بأعلى درجات الاهتمام والعناية. لا أحد يطالب بإعمال العنف مع دُعاة الإلحاد ومُعتنقيه، بل لابد أن يكون الحوار مع الملحدين جدالاً بالحُسني. يجب علينا التوضيح دون الاستماتة في إرجاعهم لحظيرة الإيمان، فإنما علينا البيان وليس الهدي؛ لا سيما في ظل تبني الملحدين خطاب المظلومية طول الوقت، فيما يراهم آخرون تهديدًا خطيرًا ومستمرًا للأمن القومي المصري.
إن الأزهر الشريف وحده -دون أية مؤسسة دينية أخرى فقدت أهليتها وشرعية وجودها- مدعوٌّ قبل غيره إلى مواجهة هذه الظاهرة، ليس من خلال وسائل عقيمة، أو خطاب عاجز وسقيم، أو وجوه باهتة، أو عمائم مستهلكة، ولكن من خلال تطوير وسائله الدعوية للوصول الي قطاعات الشباب والتواصل معهم وعدم تركهم فريسة لتلك المواقع والمنابر المشبوهة التي تعلن الحرب صراحة على الإسلام.
الظاهرة الإلحادية تتطلب خطابًا دينيًا وفكريًا مستنيرًا، بعيدًا عن المعطيات القديمة التي قادت إليها وكانت سببًا رئيسًا وراءها. الأمر يتطلب تنشئة جيل جديد من الدعاة والباحثين الذين لا يتعاملون مع الدين باعتباره “بزنس”، أو ظهيرًا سياسيًا، ولا ينتمي سوى لدينه فقط. العمائم القديمة بتحولاتها ومناوراتها تتحمل وزرًا عظيمًا في ظهور الإلحاد وتوغله؛ بعدما فقد أصحابها مكانتهم الروحية عند الأجيال الجديدة، ومن ثم فإن من صنعوا الأزمة وكانوا سببًا وراء تعاظمها لا يصلحون أن يكونوا جزءًا من الحل. الإلحاد يتسلل تدريجيًا فاحذروه واحذروا.

زر الذهاب إلى الأعلى