Uncategorizedمقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: الفَتْوَنَة… مصر التي لا نعرفها

0:00

في بداية أحد أفلام المخرج الكبير هنري بركات (في بيتنا رجل) لاحظتُ توجيه الشكر من قِبل أسرة الفيلم والقائمين عليه لعدد من المؤسسات الرسمية ومن ضمنها هيئة الفتونة!! وبسبب الفضول لمعرفة هل كان هناك هيئة للفتونة في مصر يوما ما؟! ذهبتُ إلى محرك البحث على هاتفي وكتبتُ تاريخ الفتونة في مصر، لكن للأسف كل ما ظهر في مقدمة النتائج كان عن الفتوى ودار الإفتاء!!

ورغم تعجبي من عدم وجود معلومات كافية عن هذه الهيئة سوى سطر واحد بأحد المقالات، قررتُ أن أحدثكم اليوم عن تاريخ الفتونة وأصالتها في مصر، خاصة في النصف الأول من القرن العشرين قبل أن تتشوه سُمعة الفتوة وتصبح المرادف الطبيعي لكلمة البلطجي!!

لعل جميعنا عرف فتوة الدراما في المسلسلات القديمة وأفلام الأبيض والأسود، ولنا عذرنا فقد اختفت هذه الشخصية من تركيبة المجتمع المصري بعد أن فرضت الداخلية (الشرطة أو البوليس المصري حينئذ) سيطرته على الحواري والشوارع والأزقة.

ولكن ما لا نعرفه أن الفتونة وعصرها أكثرُ ثراءً من تلك المشاهد الدرامية. بداية الفتونة ظهرت مع بداية عصر المماليك كرد فعل طبيعي على الظلم الذي كان يتعرض له المواطنون آنذاك، ووقتها كان الفتوة هو الشخص الذى يتسم بمكارم الأخلاق ونصرة الضعيف وإغاثة الملهوف ضد اللصوص وقطاع الطرق خلال الأزمنة التى غاب فيها القانون.

وكانت من أهم سماته الشخصية النبوت، وهي عصى غليظة كانت تُصنع من شجر الليمون ثم توضع في الزيت المغلي لفترة حتى تفقد ليونتها وتصبح صلبة وملساء وبالتالي مؤلمة عندما تُستخدم كأداة للتنكيل، وأحيانا كثيرة كان يتم توريثها من فتوة لآخَر في المنطقة الواحدة كرمز لتناوب السلطة بين الفتوات، كما يُعد كسرها دليلًا على انتهاء عصر صاحبها واندثار سطوته في (الحِتّة).

وكما كان تاريخُ مصر زاخرًا بالزعماء والثوار، هناك من الفتوات مَن خلدهم التاريخ مثل فتوة المنشية أبو خطوة، وابن حميدو من أشهر فتوات السيالة أيضا بالإسكندرية، وفتوات الحسينية ويأتي على رأسهم الفتوة أحمد عرابي وغيرهم كثيرون.

وإضفاءً للمزيد من الإثارة على المقال سأحكي لكم إحدى قصص ابن حميدو فتوة السيالة الذي انتشرت شهرته في القُطر المصري كله – ومنه استوحى فطين عبد الوهاب اسم شخصية إسماعيل ياسين في الفيلم الذي حمل اسمه – كان ابن حميدو معروفًا بضخامة بنيته وقوتِه الأسطورية التي لا تُضَاهَى، حتى وصلتْ أخبارُه للملك فاروق نفسه، الذي استدعاه للتأكد من صحة ما يُقال عنه، وطلب منه منازلة أحد مصارعي الحرس الملكي الأقوياء، ليرفعه ابن حميدو بيدٍ واحدة ويلقيه على الأرض!! وقتها أنعمَ عليه الملك بلقب فارس، ليكون الفتوة الأول والأخير الذي ينعم بهذا اللقب.

وكما ذكرتُ في بداية المقال أن الفتوة من الشخصيات التي اختفت مع استتباب الأمن وسيطرة المؤسسات الرسمية على الأوضاع في كافة ربوع البلاد، حتى لا تُترك مهمة فرض الأمن لأهواء شخصية وممارسات غير سوية لا ينظمها قانون، ألسنا جميعًا أمامه سواء؟!!

زر الذهاب إلى الأعلى