مقالات الرأى

لينا مظلوم تكتب: من يحسم الصراع الدولي على تركيا

0:00

النتيجة التي اسفرت عنها الانتخابات التركية بإجراء جولة إعادة بين المنافسين، الرئيس الحالي رجب اردوغان و كمال كليجدار اوغلو الذي يقود حزب الشعب الجمهوري والمدعوم من تحالف المعارضة المكون من ستة أحزاب، كانت الأكثر توقعا قياسا على عدة تحديات واجهت المرشح الأول, بينما يسعى المرشح الثاني الى استثمار كل عثرات سياسات اردوغان داخليا وخارجيا عبر العقود الماضية.
في البداية تجمعت كل المعطيات التي جعلت هذه الانتخابات تحظى باهتمام دولي وعربي.. منها، الدور التركي في العديد من الملفات الحيوية مثل الازمة الروسية- الأوكرانية، الأوضاع المتردية في سوريا وليبيا، بالإضافة الى ملف الطاقة.
القوى الدولية تنظر الى الانتخابات التركية كل وفق مصالحه وتقديره لموقع تركيا الاستراتيجي تحديدا في ظل الصراعات واجواء التنافس الاقتصادي بين هذه القوى. تطور العلاقات الروسية- التركية لم يكن هدفه بعيدا عن رغبة الطرف الأول ان يكسب تركيا كسند سياسي له في مواجهة السياسات العدائية من أمريكا وكتلة الدول الغربية وحلف شمال الأطلسي التي تصاعدت بعد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.
من جانب اخر لا تنظر أمريكا الى هذا التقارب بعين الارتياح لما يمثله من زعزعة ثوابت العلاقات التاريخية التي جمعتها بتركيا، لذا تجاوز الحدث حدود الاستحقاق الانتخابي الى نقلة سياسية جذرية في تاريخ تركيا المعاصر.
أمريكا ودول الغرب لا يخفيان انحيازهما الى اوغلو كونه المرشح المفضل وفق حساباتهما كما ورد في عدة تقارير صحفية عن تصريحات لمسؤولي هذه الدول التي اتخذت من الشراكة الروسية-التركية ذريعة لرفض اردوغان، بينما يراهن الرئيس الروسي بوتين على مرشحه المفضل اردوغان. دول المنطقة العربية بدورها معنية بالتحولات السياسية التركية في ظل تطور العلاقات بين تركيا والكتلة المؤثرة، مصر، السعودية، الامارات، بالنظر الى كون تركيا دولة جوار جغرافي للمنطقة بالإضافة الى العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة في التكامل الاقتصادي والامن الإقليمي.
عدم تحقيق اردوغان – كما اعتاد المشهد السياسي خلال العقود الماضية- فوز كاسح لم يأتي من فراغ، الخطوات الناجحة في المسار الاقتصادي خلقت شعبية كبيرة لأردوغان شعبية كبيرة منذ بداية حكمه. هذه الإنجازات سرعان ما تحولت الى سلسلة أزمات خانقة أدت الى ارتفاع التضخم واضعاف سعر الليرة التركية ما أدى بالتالي الى ارتفاع كبير في تكاليف المعيشة.
التفاف المجتمع التركي حول رئيسه كان نتيجة اقتصاد قوي حين كان التشتت هو سمة المعارضة آنذاك وافتقادها لرؤية جادة تحقق لها أرضية في المشهد السياسي. مع تدهور الوضع الاقتصادي وتكتل المعارضة كمنافس قوي مؤلف من ستة أحزاب رغم بعض الخلافات الهامشية بينها في قضايا، هي تتجمع خلف هدف اسقاط اردوغان.
العناصر التي ستحسم جولة الإعادة يأتي على راسها أصوات الشباب وهي تشكل رصيد انتخابي هام قد يحدد مسار نتائج الانتخابات سواء الرئاسية او التشريعية. هناك جيل يمتلك دافع تغيير الصورة النمطية وإعطاء الفرصة لوجوه جديدة تلبي تطلعاته.. جيل لم يعرف رئيس سوى اردوغان المثقل بالأزمات. المشهد التركي أيضا يضم نسبة غير ضئيلة تتطلع الى تحويل النظام الرئاسي لصالح نظام برلماني وحكم يعتمد التعددية في إدارة مؤسسات الدولة.
كما تظل نسبة ال 5% التي حصل عليها المرشح سنان اوغان حائرة لم تحسم امرها بين المرشحين. نسب التصويت بين المرشحين الرئيسيين والآراء المتباينة في الجولة الأولى أظهرت حجم الاستقطاب في الشارع التركي حيث وصل الى درجة غير مسبوقة اذ لم تعرف الانتخابات التركية جولات إعادة منذ حوالي عشرين عام حسمها اردوغان لصالحه في كل استحقاق.
يبقى التحدي الأكبر امام كليجدار اوغلو وأحزاب المعارضة في اقناع الأصوات المتأرجحة التي لا تنتمي الى طرف بعينه ونجاحهم في جذب أصوات الاكراد اللذين يمثلون 10% من الناخبين لصالحهم في جولة الإعادة الثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى