مقالات الرأى

د. فتحي حسين يكتب: البلطجة.. حين تتحول الجريمة إلى تريند!

0:00

أقولها بصوت عالٍ.. وأكررها دون تردد: ما نراه اليوم في شوارع مدننا، من انفلات، وتجاوز، وبلطجة صارخة، لم يعد ظاهرة عابرة.. بل أصبح واقعا مقلقا، يفرض نفسه على المجتمع، ويهدد أمنه واستقراره.
لقد باتت “البلطجة” مهنة من لا مهنة له.. وصورة من صور “الشهرة الزائفة” التي تمنح بغير وجه حق، وتروج عبر ما يسمى “التريند”، ليأكل بها الإعلام المخوخ عيشا، بعد أن تخلى عن رسالته، وترك دوره الحقيقي.
نعم، لقد تحول الإعلام في كثير من منصاته إلى جهاز تتبع لما هو “رائج”، وليس لما هو “صادق” أو “مفيد”.
أصبح الإعلام — بكل أسف — شريكا أساسيا في تضخيم الظواهر السلبية، يضعها في الواجهة، ويعلق عليها بلا وعي، فقط من أجل المشاهدات، ومن أجل “الإعلانات”..
ولا عزاء للمهنية، ولا احترام للعقول!
إن من يشاهد ما يُقدَّم في بعض القنوات والمنصات يدرك تمامًا كيف أصبح “البلطجي” نجمًا، يُكرَّم ويُحتفى به، فقط لأنه “كسر الدنيا” في فيديو، أو لأنه تجرأ على القانون، وأرعب الناس!
وهنا.. لا يمكن أن نتجاهل دور الفن، والإنتاج السينمائي والتلفزيوني، الذي ساهم — عن غير قصد أو عن قصد، لا يهم — في ترسيخ صورة البلطجي كبطل شعبي، ومثال يحتذى به!
مجموعة أفلام “السبكية”، والمخرج محمد سامي، وعدد من الممثلين الذين سقطوا في فخ “التشويق الرخيص” و”الشخصية الخارجة عن القانون”، ساهموا — دون أن ينتبهوا — في نشر ثقافة “الاستعراض بالعنف”.
عبد موته، الديزل، الألماني، قلب الأسد، إبراهيم الأبيض، كلها أسماء لشخصيات تسللت إلى عقول الشباب، وحرّضتهم — دون أن يدروا — على تبنّي نفس الفكر، ونفس التصرفات!
الفن رسالة. والرسالة لا تعني فقط الإضحاك، أو التشويق، أو حتى النجاح الجماهيري.. الرسالة تعني التربية، والتوجيه، والحفاظ على الوعي العام!
لكن للأسف.. بعض النجوم أصبحوا شركاء في ما نعيشه اليوم من بلطجة، حين تنافسوا في أداء أدوار الفتوة الخارج عن القانون، واعتبروا أن حمل السلاح الأبيض على الشاشة هو “بطولة”.
أين الذين شاركوا — دون استثناء — في مشهد إعلامي وفني، أسهم بشكل مباشر في تشويه صورة “القدوة”، وتحويل المجرم إلى “نجم شعبي”.
وأتساءل هنا بصوت مرتفع:
أين الدولة؟ أين دورها في حماية المواطنين من هذه الموجة المتصاعدة من العنف والبلطجة؟
أين القانون الرادع؟ أين الرقابة؟ أين المسؤولية؟
بل أين الإعلام؟ الإعلام الذي أصبح “جائعًا” للتريند، باحثًا عن الإثارة، ساعيًا وراء “أعداد المشاهدين”، ولو على حساب الأخلاق، والقيم، والأمن المجتمعي؟
نعم، لقد أضاع الإعلام جزءًا كبيرًا من رسالته. واستبدل الخبر بالتريند، والحقيقة بالصوت العالي، والتحقيق بالتحريض على المشاهدة بأي ثمن!
وأكررها مجددًا:
إن هؤلاء الذين ساهموا — عن عمد أو دون عمد — في تقديم البلطجي كبطل، يتحمّلون وزر كل ما نعيشه من خوف، واضطراب، وترويع للآمنين.
يتحملونه أمام ضمائرهم، وأمام القانون، وأمام الله.
وليعلموا أن التاريخ لا ينسى، وأن الوطن لن يغفر، وأن المجتمع لا يحتمل المزيد من التفكك.
وليعلموا أن من يفرط في القيم، يبيع الوطن.. ومن يستهين بالأخلاق، يدمر المجتمع!

زر الذهاب إلى الأعلى