جمال رشدي يكتب : جنازة محمود بكري

تقريبا الساعة واحدة صباح الأربعاء 10 مايو 2023 جاءتني رسالة من الصديق مصطفي بكري برحيل شقيقه الكاتب الصحفي محمود بكري، وان الجثمان سيدفن في قرية المعنا بقنا بناًء علي وصية الراحل، وبما انني متواجد خارج مصر لكن كنت متابع باستمرار الحالة الصحية للراحل اثناء فترة تواجده بالمستشفي، واثناء تلك الفترة انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بحالته الصحية، وكان ظاهر الحب الكبير من الجميع له، فالذين تعاملوا معه داخل دائرة الصحافة والاعلام قالوا عنه انه كان انسان هادئ الطباع متواضع مثقف مهني وطني، لم يصدر منه يومًا أي موقف معادي لاي شخص حتي الذين اختلفوا معه او اخطأوا في حقه، كان متسامح للغاية مع الجميع ، لم يسعي للظهور وتصدر المشهد في أي موقف او حدث بل كان يعمل في الخفاء.
أما أبناء قنا وأبناء دائرته في حلوان قد كشفوا الغطاء عن الكثير من الخير الذي كان يفعله تجاه المحتاجين، ففي بلدته المعنا بقنا وما حولها قالوا أن هناك ما يقرب من 750 أسرة كان يحول ويرسل لهم مبالغ محددة شهريًا عن طريق علاقاته برجال الأعمال والخير، أما دائرته في حلوان ودوره البرلماني فكنت دائما أقول له أنت ظاهرة برلمانية لم ولن تتكرر فمنذ الصباح الباكر والي الساعة 11 ليلًا وهو موجود في الشارع وسط أبناء دائرته يحتويهم ويحتضنهم ويخدمهم فهناك مقلب للقمامة فيذهب بنفسه ليتواجد مع “الجلد ريدر” لرفعها وتنظيف المكان، او مع فني لإنارة الشوارع ، كانت لذته وسعادته عندما يري الفرحة في عيون البسطاء، الفقراء، المحتاجين، الأطفال، لم يظهر او ينشر يوم ما عن أفعاله الخيرية للغير.
رحل الرجل الذي خدم الجميع. فقدمت السماء له أروع مكافأة حيث احتشد الألاف في شوارع وحارات وشرفات قرية المعنا مسقط رأسه بقنا لتشيع الجثمان إلي مثواه الأخير وهنا في القاهرة كان المشهد مهيب في مسجد عمر مكرم آلاف من جميع المستويات توافدوا لاداء واجب العزاء وحسب التقديرات فأن تلك الجنازة انضمت في عدد الحضور إلي اكبر الجنازات التي حدثت في تاريخ مصر، فقد احتل اسمه الترتيب الأول في محرك جوجل وهذا يدل علي الملايين التي تابعت خبر وفاته، وقد اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الأعلام بمظاهرة تأبين منقطعة النظير، كان المشهد مبكي مفرح ، فالحزن علي رحيل كاتب صحفي وطني انسان من طراز رفيع قلما وجد ، والفرح كان في تلك الاعداد التي ظهرت بالملايين والألاف في الشوارع وعلى وسائل التواصل والاعلام وان ذلك استفتاء عفوي علي الدور الوطني والإنساني الذي تقوم به تلك الأسرة الصعيدية بقيادة الكاتب الصحفي الكبير مصطفي بكري وحب الناس الجارف للراحل .
فعند سماع الخبر حاولت النزول إلى مصر لكن ظروف العمل منعتني، وقد أرسلت للصديق الأستاذ مصطفي رسالة وقلت له لا تحزن بل افرح بهذا الحب الجارف لكم، اصلب طولك ولا تنكسر بل استكمل المشوار الوطني والإنساني الذي كنتما تؤديانه سويًا، إياك أن يهزمك الحزن بل كن دائما متشامخ قوي وضع تلك الصورة الناطقة محبة وتقدير من الملايين والألاف لكم أمام أعينك دائما.
فكانت جنازة الراحل محمود بكر رسالة قوية لكل من تابعها بأن الإنسانية وسماتها من محبة وتواضع وخدمة، والوطنية وصفاتها من بذل وعطاء هذا فقط من يجعلون الذكري خالدة وتعيش داخل الوجدان دائمًا، وأخيرا سلامًا لروحك أيها الراحل الأنسان فكم شوقتني لان أكون بعضًا من صفاتك وسماتك الإنسانية والوطنية، وعزاء من القلب إلي الصديق مصطفي بكري وكل أفراد الأسرة والعائلة، وسنستكمل سويا الطريق الذي كان يسير على دربه الراحل العظيم.