وفاء بكرى تكتب : عندما يعيش المصريون ” اللحظة”

إن أهل مصر يميلون إلى الفرح والمرح، والخفة، والغفلة عن العواقب”، هكذا يقول ابن خلدون في مقدمته لـ” كتاب العبر” والذى ألفه عام 1377، ليؤكد أن أهل مصر لديهم قدرة كبيرة على التكيف مع ظروفهم، حتى لو كانت ضاغطة عليهم، ولا تفارق الابتسامة وجوههم إلا قليل، حتى أنهم يتخذون من السخرية والنكات سبيلا للتعبير عن مشاكلهم المتراكمة والمتسارعة، هكذا فعلها أهالى مدينة المطرية في القاهرة والصعايدة في دشنا بمحافظة قنا، ففى المطرية اختار أهالى أحد الشوارع فيها تكرار مائدة الإفطار للشارع بالكامل للعام الثانى على التوالي، مع مظاهر عدة معبرة عن البهجة والفرحة بـ” التجميعة”، وهو ما فعله أيضا نجع الخولى بـ”دشنا” بإعداد أطول مائدة إفطار لأهالى النجع، المصريون معروفون بروحهم المرحة وحب الصحبة، خاصة في المناسبات الشهيرة، فهم أصحاب ” التجميعة” في شم النسيم والأعياد المختلفة، هم ذلك الشعب الذي يحب أن يعيش اليوم بيومه، أو كما نقول هذه الأيام ” يعيش اللحظة”، لا يفكر فيما هو آت، أبسط الأشياء تفرحه، فقد يباهى بالفرحة و” الدم الخفيف” أكثر مما يباهى بـ” فلوسه”، على مدار التاريخ في ظروفهم الحالكة كان المصريون قادرون على التكيف مع هذه الظروف الصعبة، ولكن هذا التكيف في بعض الأوقات أثر بالسلب على طبيعة الشخصية المصرية، وهو ما أخشاه هذه المرحلة، فجميعنا يمر بظرف استثنائى بسبب الأزمة الاقتصادية التي تكبل النسبة الغالبة من العالم، ولكن المصريون يرفضون الخضوع لها بشكل كامل، فهم يملون الأسواق بالفعل وإن كانت مشترواتهم انخفضت إلى النصف، ويقفون بالطوابير على معارض الأسعار المخفضة، وهم الذين يستعدون لشراء ملابس العيد لأولادهم ولكنهم يبحثون عن ” أرخص الأسعار”، وهم الذين ملأوا ستاد القاهرة منذ عدة أيام لمؤازرة ” الأهلى” في مواجهته الصعبة، هذه الأمور التي يحرص عليها المصريون قد تؤثر عليهم سلبا فيما بعد، وهو ما يجب معه استعداد مركز البحوث الاجتماعية والجنائية لدراسة هذه المرحلة للمصريين، وكيفية “الضغط على أنفسهم” لعدم التنازل عن أي مظهر من مظاهرهم المعتادة بالرغم من وطأة الأزمة الحالية، حتى لا نفاجأ بجيل “مشوه إنسانيا” فيما بعد، فـ” عيش اللحظة” مثلها مثل كل شيء، لها من الإيجابيات كما لها من السلبيات، فكما كانت صور الإفطار مبهجة للغاية، إلا أننى سأستخدم مثل شعبى نقوله جميعا وقت الفرحة وهو :” اللهم اجعله خير”. ورمضان كريم.