مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب: أيام جمال أسعد بين الصمود والتحدي

نشر الكاتب والمفكر والسياسي الكبير جمال اسعد كتابه ” ايامي ” شهادة على خمسة عصور في معرض القاهرة الدولي للكتاب من خلال دار نشر ” سما” والكتاب عبارة عن مذكرات شخصية يستعرض من خلالها الأستاذ جمال أسعد مسيرته السياسية وحياته الشخصية وأهم المراحل الحياتية التي أثرت في تكوينه وبلورت شخصيته وفكره السياسي ودفعته إلى أن يتبنى هذه الاتجاهات الفكرية والسياسية خلال مسيرة حياته وإن كان الكاتب قد صرح في مقدمة كتابه أنه لا يرى في حياته ما يستدعي توثيقها ونشرها للناس ولكن قد يكون هذا من باب عدم وصول الكاتب إلى ما يتمنى تحقيقه من أحلام وطموحات للوطن والمواطن أو قد يعكس نهمه وشغفه الشديد بالإصرار على التغيير وتمسكه برغبته العارمة في ضرورة تحريك الماء الراكد في قاع المجتمع ودفعه إلى الوصول ومحاولة الالتحام بالتيارات الجارفة من الحركة ومواكبة التغيير في القمة وهو ما يفسر ارتباطه الشديد بنشأته وتأثير الأماكن التي ولد ونشأ وتربى فيها وتأثيرها على القضايا التي تبناها ودافع عنها طوال مسيرته السياسية وما يستدعي التوقف عند أيام جمال أسعد- مع حفظ الألقاب – في كتابه هو صموده الشديد أمام جميع التيارات الجارفة التي حاولت أن تثنيه عن أفكاره أو تزعزع إيمانه بالقضايا التي يؤمن بها ويحارب من أجلها لذلك تشعر وأنت تقرأ أيامه وتطالعها أن بلدته القوصيه حاضرة في جميع المشاهد التي مثلت محطات رئيسية في حياته وهي حالة من الارتباط والحب والعلاقة الوجدانية بين الكاتب وبين الصورة المكانية التي مثلتها القوصية بشوارعها وحاراتها وجيرانها وخصوصية العلاقة بين أهلها في مسيرته وأثرت كذلك في وجدانه وانعكست حتى على لغته ولهجته التي يتحدث بها في جميع برامجه ومداخلاته التلفزيونية فلم يحاول جمال أسعد أن يتنكر للهجته أو يرفضها أو حتى يتمرد عليها كغيره ممن بهرتهم أضواء المدينة وهو ما يعكس اكتمال عناصر الصورة الجمالية في مسيرة جمال أسعد بأصوات قراء المساجد وترانيم الكنائس ورمضان والصوم الكبير ومولد النبي وأعياد الميلاد . خيوط من ذهب تشابكت مع بعضها البعض فوضعته في مكانة متفردة ولم يكن صمود جمال أسعد فقط أمام تيارات التغيير التي حاولت أن تجرفه في طريقها وتؤثر على أشكال الخطاب والتناول واللغة خلال مسيرته الطويلة ولكن تجلت قمة الصمود والتحدي في مسيرته في علاقته المتشابكة والمعقدة مع الكنيسة ووصوله للحظات فارقة أجبرته على أن يختار بين الحفاظ على قمة العلاقة مع البابا شنودة رحمه الله وقربه منه مع ما فرضته هذه العلاقة من خصوصية لم يصل إليها أحد غيره في هذا الوقت وبين تمرده ورفضه للأوضاع القائمة وتبنيه لدعوات التغيير وشتان بين الموقفين موقف القمة في العلاقة مع رأس الكنيسة المصرية وموقف الرفض والرغبة العارمة في التغيير ولكن انتصار الرغبة في التغيير والدعوة إلى التحرر من سطوة التبعية المطلقة هي التي انتصرت عند جمال أسعد ودفعته إلى أن يتبنى مواقف التجديد والتحرر ومع الأثمان الباهظة التي دفعها من حياته وأسرته والخسائر المعنوية الكبيرة التي عادت عليه نتيجة تبنيه هذه المواقف الصادمة بالنسبة للكثيرين من المسيحيين إلا أن جمال أسعد في دعوته ومواقفه كان سابقا لزمانه ومستشرفا افاق المستقبل في ذلك الوقت ذلك أن دعوته لم تكن لمجرد الرفض والتمرد وتحدي البابا والهجوم على الكنيسة كما فهمها من ينظرون إلى الأمور بسطحية وقصور في الرؤية ولكن كان جمال أسعد يبحث عن وضع الكنيسة في موقف المؤامة والاستعداد للتعامل مع تيارات التغيير التي سوف يأتي بها المستقبل وهو ما تحقق بالفعل فبعد عشرات السنيين ومع طغيان التكنولوجيا والانفتاح الثقافي الرهيب من كل الأبواب وظهور تطورات ثقافية وسياسية واجتماعية متعددة ووجود جيل جديد من الشباب له لغته الخاصة وفكره المختلف وطموحاته وأفكاره المتدفقة كانت الحاجة ضرورية إلى ما كان يدعو إليه جمال اسعد من عشرات السنيين . وهكذا تتوالى أيام جمال اسعد في كتابه ومسيرته التاريخية الحافلة والتي لا يمكن أن يغطيها مقال واحد أو قراءة واحدة ولكن تبقى أيام جمال اسعد شاهدة على حالة تدعو إلى الفخر ما بين صموده طوال مسيرته التاريخية الحافلة أمام محاولات الاغراء والتشويه ودفعه إلى التوقف أو تغيير قناعاته وآرائه وقضاياه التي نذر حياته من أجلها وقدرته العجيبة على تحدي رياح اليأس من إصلاح الوطن والدين والإنسان

زر الذهاب إلى الأعلى