مقالات الرأى

د. سوزان القليني تكتب : لغتنا الجميلة

برنامج (لغتنا الجميلة) للإذاعي والشاعر الكبير الأستاذ فاروق شوشة رحمه الله كان من أمتع البرامج التي كنا نحرص على متابعتها بشغف شديد لنستمع إلى روائع الشعر والأدب وروعة الكلمات العربية وثرائها وكانت افتتاحية البرنامج تقول:
(أنا البحر في أحشائه الدر كامن …فهل سألوا الغواص عن صدفاتي؟) لشاعر النيل حافظ إبراهيم.

كان جيلنا من الستينات ينتظر بكل شغف وحب حصص اللغة العربية في المدرسة لنستمتع بحكايات أستاذ اللغة العربية أستاذ تهامي رحمه الله الذي كان عاشقاً للغة العربية وليس مجرد مدرس يؤدي واجبه، كان يثري معارفنا بأمانة فائقة النظير ويتحدث عن اللغة والشعر والشعراء والنقد الأدبي وإلقاء الكلمات من مواضعها الصحيحة في الفم كأنه داعية للغة وليس مدرسا لها.

تعلم جيلنا حب اللغة وتسابقنا على الكتابة والإلقاء وقراءة القصص لكبار الأدباء والكتاب من أمثال نجيب محفوظ ويوسف السباعي وعشنا معاناة شعراء المهجر ورومانسية إبراهيم ناجي، كنا نشعر بالحرج الشديد إذا أخطئنا في بناء جملة أو نطق حرف بطريقة غير صحيحة كأن ننطق القاف كاف كما يحدث الآن مع كثير من المذيعين.

في الجامعة تعلمنا أن اللغة هي هويتنا وطابع بلدنا وأن اختراق اللغة يعني ضرب الهوية في مقتل، لذا تمسكنا باللغة التي أحببناها على الرغم من أن أغلبنا تخرج من مدارس أجنبية ومع ذلك ظلت لغتنا العربية هي الحصن الحصين الذي لا يمكن اختراقه لأن اللغة العربية حُفرت في القلب والوجدان.

مع تطور الزمن والتكنولوجيا تراجعت اللغة العربية وبدأت تندثر بين جيل الشباب، والناظر إلى لغتهم الآن على وسائل التواصل الاجتماعي يجد لغة مشوهة من حيث الشكل والمضمون بالدمج بين بعض الحروف العربية والكثير من الحروف الأجنبية في لغة جديدة يُطلق عليها (الفرانك آراب)
وهي لغة ليست لغتنا، ولكنها للأسف أصبحت الدارجة بين أوساط الشباب ومدعين الأرستقراطية! كما أن اللغة العربية أصبحت مصدر خجل لمحدثيها لأنها من وجهة نظرهم تدل على مستوي اجتماعي متدن للغاية، وساعد على هذا الفكر الإعلام الذي كسر كل قواعد وفنون اللغة.

الشيء المحزن هو أن بعض الشباب يتبارون في السخرية اللاذعة من زملائهم الذين يتحدثون الإنجليزية بنطق غير صحيح أو بلغة غير صحيحة في حين أن لغتهم الأم ضاعت وسط هرولة التفاخر الاجتماعي والتي من أهم مظاهرها استخدام كلمة عربية وأخري أجنبية في الحديث حتى يتصور المتلقي أن المتحدث من طبقة اجتماعية أعلي.

ضاعت لغتنا وسط هذا الزيف الاجتماعي وتأثرت معها الهوية والشخصية العربية وإن لم ننتبه لهذا الخطر سوف تندثر لغتنا الجميلة ونصبح بلا هوية.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى