محمد أمين المصرى يكتب:واشنطن وتل أبيب بين”جس النبض” و”عض الأصابع”
بينما يصل مستشار الأمن الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى إسرائيل خلال أيام للقاء كبار المسئولين وعلي رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو، تمر إسرائيل بعدة مشكلات داخلية يأتي في أولويتها أزمة الحكومة الجديدة بشأن تغيير قانون وزارة العدل، ومشكلات وزير الأمن إيتمار بن غفير مع الفلسطينيين بخصوص اقتحامات المسجد الأقصى التي تتم الآن تحت إشرافه مما خلق مشكلة كبيرة مع الأردن والدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل.
نيتانياهو من جانبه وأركان حكومته المتطرفة، يستعجل لقاء المستشار الأمريكي لتحريك الملف النووي الإيراني، ليس لتمرير اتفاق مرتقب لتعديل الاتفاق النووي الذي ألغاه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وإنما لإجهاض المسألة برمتها، ويستغل نيتانياهو الأزمة الداخلية في إيران التي تتعرض لمشكلات سياسية ومظاهرات شبه يومية بسبب قانون الأداب العامة المعمول به في الدولة الفارسية.
نياتياهو يريد إثبات أنه صديق لإدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن كما كان حاله مع ترامب، ولكن الثقة ليست على ما يرام في الوقت الراهن بين تل أبيب وواشنطن. كما أن نيتانياهو يتمنى من كل قلبه ألا تتطرق محادثاته مع سوليفان الي الوضع الفلسطيني والاقتحامات اليومية للمستوطنين للمسجد الأقصى وتجاوزات جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق عديدة من الضفة الغربية، والتي تصل إلى حد القتل بدم بارد.
في الداخل الإسرائيلي، يصفون المحادثات المرتقبة لمستشار الأمن القومي الأمريكي بأنها “الاتفاق علي قواعد اللعبة” بين الطرفين في الوقت الراهن، في ظل تباعد المواقف والرؤى بين الجانبين. نيتانياهو يسعى كعادته وعادة إسرائيل الى الوقيعة بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وإيران، خاصة وأن زيارة سوليفان تأتي في وقت مثالي من أجل تحريك سلسلة مبادرات سياسية بين تل أبيب وواشنطن.
فالإسرائيليون يعتقدون أن أمامهم فرصة مهمة لضرب إيران سياسيا، فالدولة الفارسية دخلت في تحالفات عسكرية مع روسيا وباعت لها “مسيرات حربية” ساعدت الروس في حربهم ضد أوكرانيا، وهذا الوضع أسهم في تغيير طبيعة الوضع الإستراتيجي والعسكري في الروسي وربما زاد من إضعاف الموقف الأوكراني. ومن هنا تقول إسرائيل أن التساهل الأمريكي في عهد بايدن مع إيران سمح لطهران بتكثيف جهودها في المجال النووي ودعم صناعاتها العسكرية الي درجة مكنتها من تصدير “مسيرات” الى روسيا لتستخدمها في الحرب ضد أوكرانيا التي تتمتع بحماية غربية وأمريكية. وتسعى إسرائيل جاهدة الي إبلاغ مستشار الأمريكي القومي الأمريكي، إن تدخل إيران في الحرب في أوكرانيا لمصلحة روسيا يمثل خطرا طالما لم تعمل إدارة بايدن بقوة في وقف جماح إيران، في ظل تعميق العلاقات بين موسكو وطهران التي بلغت آفاق جديدة خلال الفترة الماضية، وأن هذا التقارب سيؤدي الى تفاقم تحديات الولايات المتحدة والغرب في مواجهة روسيا حيال الأزمة الأوكرانية. هذا بالإضافة الى استفادة إيران من دعم روسيا لمواقعها داخل سوريا واتخاذها المزيد من المناطق مما قد يهدد إسرائيل عقر دارها.
ولكن هذا الكلام الإسرائيلي مردود عليه بأن الوجود الإيراني علي الأراضي السورية لم يمثل أي تهديد يذكر علي إسرائيل، ولكن العكس هو الصحيح، إذ شنت القوات الإسرائيلية أكثر من هجوم جوي علي مواقع إيرانية داخل سوريا. فإسرائيل لا تريد أي مد للقوات الإيرانية في سوريا يهدد حفاظها بحرية شن هجمات جوية في أي وقت.
وثمة مسألة غاية في الضرورة لإسرائيل في ظل حكومة نيتانياهو العائدة للحكم مؤخرا وتنتظرها بفارغ الصبر، فهي تريد تطبيع العلاقات مع السعودية لتضمن التعاون مع كافة الدول الخليجية، علما بأن الرياض رفضت صراحة أي علاقات تطبيع في الوقت الراهن، واشترطت حلا نهائيا للقضية الفلسطينية، وقد صدرت تصريحات سعودية صريحة بأن تحقيق هذا الشرط من الواجب تنفيذه قبل التفكير في الانضمام الي الاتفاقات الإبراهيمية.
ولكن مع الشروط السعودية الوجيهة للتطبيع مع إسرائيل، لن يترك نيتانياهو أي وسيلة لكي تكون الرياض ممثلة في قمة “منتدى النقب” الثانية التي ستعقد في مارس المقبل، ليكتب التاريخ عنه إنه أول سياسي إسرائيل يؤسس لعلاقات بين بلاده والدول الخليجية.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي دائم تذكير شعبه بأنه الذي أسست لعلاقات دبلوماسية عربية ـ إسرائيلية انطلاقا من الاتفاقيات الإبراهيمية ما أسهم في تدشين علاقات إسرائيلية طبيعية مع الإمارات والبحرين وقطر والمغرب، وأنه كاد يوقع اتفاقية تطبيع السودان لولا مشكلاته السياسية الداخلية ما أرغم الخرطوم علي التباطؤ في اتخاذ مثل هذه الخطوة في الوقت الراهن، وآرجأتها الي مرحلة لاحقة حتى يستقر فيها الوضع هناك.
مما لا شك فيه أن زيارة جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي لإسرائيل ستكون مناسبة لجس النبض للتعامل الأمريكي مع حكومة نيتانياهو، ومن يستتبعها من قرارات قد تتخذها واشنطن في ضوء نتائج هذه الزيارة التي للأسف تغيب عنها القضية الفلسطينية. والمؤكد أيضا أن زيارة سوليفان لن تكون رحلة “عض الأصابع” بين الطرفين نظرا للعلاقات الإستراتيجية بين البلدين.