مقالات الرأى

عبد المعطى أحمد يكتب:إحسان عبد القدوس بين الأدب والسياسة

0:00

تحل هذاالشهر الذكرى ال 104 لميلاد الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس الذى ولد فى الأول من يناير 1919, ورحل عنا فى 12 يناير 1990, تاركا لنا ثروة أدبية وفكرية عظيمة كانت ومازالت نبعا لاينضب للثقافة والاطلاع والمعرفة, فقد كتب نحو 600 رواية وقصة,لتتجسد وتتحول العديد منها إلى أفلام سينمائية ونصوص مسرحية, وأيضا إلى مسلسلات إذاعية وتليفزيونية, كما ترجم نحو 65 عملا إلى عدة لغات أجنبية.
نشأ كاتبنا فى بيئة بها الكثير من التناقضات أثرت فى كتاباته بشكل كبير, وكانت السبب المباشر فى صنع كاتب عظيم أضاف الكثير للمكتبة العربية. وفى هذا الصدد يقول: “شخصيتى الأدبية بنت الظروف والبيئة الاجتماعية التى نشأت فيها , وهى ظروف متضاربة ومتناقضة للغاية, وهذا التناقض فى نشأتى الاجتماعية الأولى أثر على شخصيتى, لاكأديب فحسب, بل كمفكر وكاتب سياسى واجتماعى أيضا, فقد نشأت فى بيت جدى لوالدى المرحوم أحمد رضوان, وكان من خريجى الأزهر, وهو بحكم ثقافته وتعليمه متدين جدا, وكان يفرض على أسرته الالتزام بأوامر الدين والمحافظة على التقاليد بلا أدنى تساهل, وفى الوقت نفسه كانت والدتى روز اليوسف فنانة معروفة, وسيدة متحررة لم تقف عند التفرغ للعمل الفنى, بل اشتغلت بالصحافة والسياسة, وكنت أنتقل وأنا طفل من ندوة جدى , حيث يجتمع مع علماء الأزهر ورجال الدين بكل محافظتهم على التقاليد, لأجد والدتى تدير فى بيتها ندوة يشترك فيها كبار شعراء مصر وأدبائها إلى جانب السياسيين وكبار الصحفيين, وكان الانتقال بين هذين المناخين المتناقضين يصيبنى فى البداية بما يشبه الدوارالذهنى, حتى اعتده بالتدريج, واستطعت أن أعد نفسى لتقبله كأمر واقع فى حياتى لامفر منه.
كان كاتبنا يعد نفسه لأن يكون أديبا فى يوم ما, ولكى يحقق هذا الهدف سار فى خطين متوازيين الأول أنه أثناء سنوات دراسته بكلية الحقوق اهتم أيضا بالدراسة الأدبية , فقرأ بالانجليزية معظم ماكتب فى الأدب العالمى من قصص, وقد أفادته هذه الدراسة الحرة لأدب القصة العالمى فائدة لاحدود لها. والخط الثانى إيمانه بأن الأديب الذى يكتب بالعربية, لكى يستقيم له جمال العبارة, وموسيقى الجملة, يجب أن يوثق صلته بالقرآن قراءة ودراسة, فقرأ القرآن عشرات المرات بحكم نشأته مع جده العالم الأزهرى, من باب التدين, والتذوق لجمال عبارته, والإحساس بموسيقاه التى لاتدانيها موسيقى.
جاء ذلك فى كتاب “إحسان عبد القدوس يتذكر” للكاتبة الدكتورة أميرة أبو الفتوح.
وسجل إحسان عبد القدوس بكل ثقة قدرة الأديب على رسم صورة صادقة للتعبير عما يدور فى مجتمعه, فلقد استمتعنا به كاتبا روائيا وصحفيا قديرا وسياسيا لامعا, ليعد من أهم الروائيين العرب لما صنعه أدبه من نقلة نوعية متميزة فى تاريخ الرواية العربية, فقد اتجه فى مجموعاته القصصية الثلاث التى أصدرها قبيل ثورة 23 يوليو 1952(صانع الحب )عام 1948, و(بائع الحب) عام 1949, و(النظارة السوداء) عام 1951, إلى تصوير جانب من المجتمع المصرى وما كان يعانيه خلال تلك الفترة من فساد.
وفى رواية (لاشىء يهم) جسد الصراع الدائر فى مصر بعد القوانين الاشتراكية بين من يؤمنون بحتمية تلك القوانين , وضرورة حمايتها لأن فى استمرارها بقاء لهم, وبين الذين يسايرون أى موجة ليصلوا إلى مايريدون, وأيضا فى روايته (شىء فى صدرى) قدم الصراع بين المجتمعين الرأسمالى والشعبى والمعركة الدائرة بين الجشع الفردى والاحساس بالمجتمع ككل.
وله أيضا قصة (الهزيمة اسمها فاطمة) التى صور فيها مدى الحيرة والضياع لأهالى محافظات القناة الذين هاجروا من بيوتهم رغما عنهم تاركين فيها أعطر الذكريات, هؤلاء هم ضحايا هزيمة 5يونيو 1967.
وكما كتب إحسان عبد القدوس قصصا صور فيها الهزيمة, فإنه أيضا جسد نصر أكتوبر 1973 فى قصته (الرصاصة لاتزال فى جيبى), وكيف أن الجندى المصرى غسل عار الهزيمة , وأعاد لمصر طهارتها. كما قدم العديد من الأعمال والروايات منها: أنف وثلاث عيون, ودمى ودموعى وابتسامتى, والعذراء والشعر الأبيض, وأنا حرة, ولاتطفىء الشمس, وأبى فوق الشجرة,والخيط الرفيع, وياعزيزى كلنا لصوص, وفى بيتنا رجل, ولاأنام.
وكانت حياة عبد القدوس حافلة بالجوائز والتكريمات,فقد منحه الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى, ومنحه الرئيس الأسيق محمد حسنى مبارك وسام الجمهورية. كما حصل على جائزة الدولة التقديرية فى الآداب سنة 1989

زر الذهاب إلى الأعلى