مقالات الرأى

مقالات بوابة مصر الآن (3) التدخل الأمريكي في السودان

يكتبها : ياسين غلاب

يحدد تعبير  صحيفة “نيويورك تايمز” في 22 أبريل 2023 الذي يقول ” يشكل السودان موقعا استراتيجيا غنيا بالموارد الطبيعية التي يطمع فيها كل القوى الكبرى للفوز بقطعة منه لأنه مرشح للاستحواذ عليه” رؤية الولايات المتحدة والغرب وحتى كل من الصين وروسيا ربما مع اختلافات في الشكل لكن ليس في المضمون.

يخطيء من يظن أن ما يحدث في المنطقة العربية من حروب ونزاعات بسبب أخطاء داخلية فقط بل إن مسئولية كبيرة تقع على العامل الخارجي الذي سمح لنفسه بالتدخل في شئون الدول بحج متنوعة على رأسها دعم التحول الديمقراطي وقيم حقوق الإنسان والإغاثة الإنسانية ودعم اللاجئين وآخيرًا وليس آخرًا قرار مجلس حقوق الإنسان في 11/5 الجاري تحت دعوى المسئولية في الحماية..أي أن الغرب يفرض على نفسه واجب حماية المدنيين في الصراعات الداخلية.

بيد أن التدخل الأمريكي في السودان قديم ومتعدد الأهداف والأغراض. فهو من جهة يدخل في إطار استحواذ الولايات المتحدة على ما يمكن الاستحواذ عليه من موارد دول العالم والسودان من بينها، ومن جهة أخرى منع أي دولة أخرى خاصة الصين وروسيا من القيام بذلك ومن جهة ثالثة المساهمة في تنفيذ مخططات إسرائيل في المنطقة، وأي دولة إقليمية تريد أن يكون لها حصة في موارد السودان فيجب أن يكون ذلك في إطار ما تسمح به واشنطن.

ظهر التدخل الأمريكي للعلن عند اكتشاف البترول حيث حصلت شركة شيفرون الأمريكية على امتياز استخراجه 1983 العام الذي شهد أول وصول للكيزان للحكم عن طريق النميري والترابي وحفرت الشركة 90 بئرًا منها 30 بئرًا كانت واعدة. أنفقت شيفرون 1.2 مليار دولار وقيل وقتها إن احتياطيات السودان محدودة ولن تدوم أكثر من 15 عامًا، وتبين أن ذلك غير صحيح ولا يزال استخراج البترول يجري حتى الآن. طردت شيفرون من السودان وعندما أرادت العودة لاستكمال أعمالها لكن بشروط مجحفة هذه المرة بعد مجيء الإخوان مرة أخرى للحكم في عهد البشير؛ أجبر الجيش السوداني البشير على رفض هذه الشروط فلجأ البشير إلى تحالف صيني ماليزي الذي تعاقد مع شركة كندية لأن التقنيات الصينية كانت بدائية وقتها في استخراج البترول.

لم تغفر الولايات المتحدة للجيش السوداني هذا الأمر وجعلت الأمم المتحدة تفرض عقوبات اقتصادية على السودان بسبب إشعال الإخوان للحرب الأهلية الثانية على السودان. كانت العقوبات رمزية من جانب مجلس الأمن لكن واشنطن فرضت عقوبات أحادية من جانبها وقامت بضرب مصنع الشفاء للأدوية بحجة استخدامه في تصنيع أسلحة كيماوية.

في السر كانت واشنطن تتعامل مع نظام البشير فمرشد الإخوان الترابي الذي كان رئيس البرلمان  والذي جاء بالبشير إلى الحكم كان يقيم العلاقات مع واشنطن ولندن وأعلن في مؤتمر صحفي أن السودان ستكون مقرًا لكل الحركات الجهادية في العالم ومن بينها استضافت السودان أسامة بن لادن. وتحت غطاء الرابطة الإسلامية؛ شكل أسامة بن لادن جزءًا من “الفيلق العربي” الذي كان يحارب الصرب في البوسنة والهرسك حيث كانت واشنطن تريد إلغاء النفوذ الروسي في أوروبا عبر تفكيك يوغسلافيا وليس محبة في حماية مسلمي البوسنة والهرسك.

أدى إشعال الحرب الأهلية الثانية في السودان من قبل الكيزان تحت دعوى فرض الشريعة الإسلامية والتي أسماها الرئيس الأسبق جيمي كارتر تحايلا “قوانين سبتمبر 1983″؛ إلى دخول الولايات المتحدة على الخط وإرسال المبعوث الأمريكي للسلام “جون دانفورث” الذي زعم أن حل السودان هو التقسيم. انتهى الأمر كما هو معروف بتقسيم السودان إلى شمال وجنوب.

في دارفور حيث اشتعلت الحرب الأهلية بين قبائلها على خلافات الرعي والزراعة، زعمت الولايات المتحدة أن هناك إبادة جماعية وهو ما رفضته الجامعة العربية ومنظمة العمل الإسلامي وقتها. لكي تثبت الولايات المتحدة وجهة نظرها خصصت قمرًا صناعيا اسمه “سينثل ستلايت” وأوكلت الإشراف إليه في الظاهر إلى الممثل المشهور “جورج كلوني” لكي تنقل صورًا دامية للعالم تبرر تدخلها في دارفور. جنبا إلى جنب مع عشرة منظمات حقوق إنسان وإغاثة أمريكية وبريطانية وفرنسية وألمانية ونرويجية إلخ “كير، وإكسفام وأنقذوا الأطفال وأنقذوا دار فور (بريطانية) والمجلس النرويجي للاجئين ..إلخ فرضت الولايات المتحدة إرسال قوات حفظ السلام.

كان التدخل الأمريكي في دارفور جزءًا من مشروع أمريكي كبير لإعادة استعمار إفريقيا خاصة تلك المنطقة الممتدة من غرب السودان إلى تشاد وموريتانيا والنيجر وأفريقيا الوسطى والمعروفة باسم منطقة الساحل والصحراء حيث اليورانيوم والبترول والمعادن الأخرى والتي تعمل فيها شركات تعدين روسية واستطاعت قوات فاجنر أن تطرد النفوذ الفرنسي في كل من تشاد وأفريقيا الوسطى ووقفت ضد الولايات المتحدة وحلفائها في ليبيا.

أهم ما كانت تسعى إليه الولايات المتحدة في دارفور هو السيطرة على مناطق إنتاج الصمغ العربي الذي يتواجد في جنوب دارفور وجنوب كردفان بجانب الذهب في مناطق جبال أبو عامر وجبال النوبة؛ الصمغ الغربي الذي تنتج السودان 80% من إنتاجه عالميا يدخل في صناعات البيبسي كولا والكوكا كولا وأدوية السكر والأهم أن يدخل في تصنيع “بوردات الكمبيوتر والموبايل وكل أشباه الموصلات”. (يتبع)

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"