مقالات الرأى

شعبان ثابت يكتب: (رزق عيشه )

يحكي أحد الأشخاص يقول السبع أخوات من يوم ما اتولدوا، وأمي كانت أصغرهم. كان فرح خالتي “عيشة”، واليوم دا حصلت حاجات كتير تُعتبر نذير شؤم بالنسبة لعادات الفلاحين؛ زي الغيوم، والبرق، والرعد. معرفش إذا كان في نظرية علمية تربط الظواهر دي ببعض ولا لأ، بس دا اللي اتحكالي وقتها.

خالتي عيشة كانت بتحب واحد من “اليَم التاني” للبلد. لما سألت أمي، “فين اليَم التاني ده؟”، عرفت إن بلدهم كان البحر بيقسمها لنصين متساويين، وكل نص فيهم بيقول على التاني “اليَم التاني”، وكان بيربط اليَمين معدية. اليوم دا العريس وأهله كانوا جايين على المعدية، لكن المعدية غرقت بيهم.

أمي واخواتها الستة كانوا يتامى لأن أبوهم وأمهم غرقوا بنفس الطريقة، اتحول الفرح لعزا، والصورة اللي فيها ضحكة حلوة بقت تفكرهم بيوم حزين جداً للسبع بنات. الناس قررت ما تشغلش المعدية دي تاني واتشائموا منها، ومن ساعتها انفصل اليَم ده عن اليَم ده.

الغريب إن خالتي عيشة بعد الصورة دي، دخلت جوا، قلعت فستان الفرح، وفضلت تكنس في البيت، وقالت: “مش مكتوب لنا الفرح.” ولما جه الخبر قالت تاني: “مش مكتوب لنا الفرح.” وكانت تقصد بالمرة الأولى لما جدي وجدتي راحوا يجيبوا لها حاجات المدرسة وقماش جديد للمريلة، ومرجعوش.

كلهم اتجوزوا إلا خالتي عيشة. والغريب مش إن حياتها واقفة على ذكرى الحب، لكن الغريب إنها بتقول: “أنا مستنية رزق.”

رزق غرق ومات خلاص، بس هي دايماً تقول كده، وشهر على شهر بقوا سنة، وسنة على سنة بقوا سنين، ولا رزق رجع ولا عيشة اتجوزت.

وفي يوم من الأيام، لقوا طفل صغير جاي مع المية وبيغرق. أنقذوه الناس وكل حاجة تمام، بس المشكلة إنه مش ابن حد من البلد، ومحدش كان عايز ياخده لأن كل واحد في رقبته كوم لحم. اليوم دا طلعت عيشة لابسة فستان الفرح، وقالت: “هاتوه، دا رزق. محدش له دعوة بيه، دا جاي ليا.” ناس قالت إن عيشة اتجننت، وناس قالت: “خلوها تاخده بدل قعدتها لوحدها.”

ومن يومها وهي اسمها “أم رزق”. كبر رزق وبقى راجل، وكبرنا على إنه ابن خالتنا. أنا مكنتش هعرف الحكاية دي كلها لو مكنش رزق اتبرع لخالتي مرة بكِلية ومره بفص كبد، ويومها سمعت خالاتي بيقولوا لبعض:

“أومال لو كان ابنها بجد كان عمل إيه؟” يومها بس عرفت القصة اللي بحكيهالكم دي، وعرفت إن رزق عارف إنها مش أمه. الغريب إنه قال لها: “هفضل أتبرعلك بكل حتة فيا، حتى لو هموت، لأنك لازم تعيشي؛ عشان فيه ألف رزق ورزق جايلك في الطريق.”

زر الذهاب إلى الأعلى