مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب: (قامات مصرية) عصمت الإسكندرانى – 8

0:00

عصمت الإسكندرانى أو كما عرفت أم البحريبة المصرية ، هذه السيدة وهبت جميع ممتلكاتها من عقارات وأراض زراعية وما لديها من أموال فى وصيتها بعد وفاتها للكلية البحرية ، مساهمة منها للنهوض بأسطول مصر ليضارع أساطيل العالم ، كما أهدت منزلها برأس التين إلى القوات البحرية ليكون ناديا بحريا ، وعندما نشبت حرب فلسطين 1948م تبرعت بسفينة حربية مجهزة بالكامل على نفقتها الخاصة وأهدتها إلى البحرية المصرية ، فهى حفيدة حسن الإسكندرانى أمير البحر وبفضله كان الأسطول المصرى الثالث فى العالم .
ولدت عصمت الإسكندرانى سنة 1898م بالإسكندرية ، تلقت تعليمها فى البيت والمدرسة ،أجادت إلى جانب لغتها العربية ،الإنجليزية والفرنسية ، اتخذت جدها حسن باشا الإسكندرانى أمير البحر وقائد البحرية المصرية المصرية فى عز مجدها فى عهد محمد على باشا ، مثلا للتفانى والإخلاص والرجولة وحب الوطن ، والذى استشهد فى حرب القرم 1855م ، فتعلقت منذ صغرها بتاريخ البحرية المصرية المشرف وما حققته من أمجاد فى البحار .
كان حسن الإسكندرانى أحد طلاب البعثة العلمية بفرنسا لدراسة علوم الملاحة والهندسة البحرية ،وعند عودته إلى مصر التحق بالأسطول المصرى واستطاع خلال فترة وجيزة إثبات كفاءته ومهارته فترقى فى المناصب حتى أصبح رئيسا للترسانة البحرية بالإسكندرية ثم ناظرا (وزيرا) للبحرية 1837م ونال رتبة الباشوية وأطلق عليه لقب ” أمير البحر ” .
كان لحسن الإسكندرانى دوره المؤثر عند إعادة بناء الأسطول المصرى بعد تحطمه فى موقعة نفارين 1827م ، ليصبح فى مقدمة أساطيل العالم بعد إنجلترا وفرنسا، كما يرجع له الفضل فى الإهتمام بتحصين الإسكندرية وشواطئها وضواحيها ومنها أبو قير .
تولى الأميرالاى حسن الإسكندرانى قيادة الأسطول المصرى فى حرب القرم 1853م ، أظهر شجاعة وخبرة عالية فى هذه المعركة التى كانت بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية ،ودخلت مصر وتونس وإنجلترا وفرنسا الحرب 1854م إلى جانب الدولة العثمانية وكان قد أصابها الضعف ،ثم لحقتها مملكة سردينيا التى أصبحت فيما بعد مملكة إيطاليا ، وكان من أسباب الحرب أطماع الإمبراطورية الروسية الإقليمية على حساب الدولة العثمانية وخاصة فى شبة جزيرة القرم التى دارت عليها المعارك ، انتهت الحرب 1856م بهزيمة الروس وتوقيع اتفاقية باريس .
ولسوء الحظ ،هبت على الأسطول المصرى وكان يتكون من 12 سفينة بحرية عاصفة شديدة وتكاثر الضباب مما حال دون إجتياز بوغاز البسفور بسلام فاصطدمت السفينتان ” مفتاح الجهاد” و”البحيرة” فتحطمتا وغرق من بها من قوات الأسطول وعددهم 1920 مقاتلا لم ينج سوى 130 مقاتلا ، وكان من الغرقى حسن باشا الإسكندرانى سنة 1855م .
ونعود إلى حفيدته عصمت الإسكندرانى فقد قضت 18 عاما فى رحلات استكشافية ودراسية تجوب متاحف ومكتبات فرنسا وسويسرا وبلجيكا تدرس المساجد والقلاع والآثار القديمة ،حتى أطلق عليها بنت بطوطة ، أثناء رحلاتها شاركت الملاحين والبحارة حياتهم الخشنة فى البحر ولم تستهوها بواخر الترف والبذخ رغم إمكانياتها المالية الهائلة .
استقرت فى باريس لمزيد من البحث وكتابة التاريخ العربى ، ونشرت مقالات فى الصحف الفرنسية عن تاريخ العرب وتاريخ الشرق وأمجاده . خلال إقامتها فى باريس تعرفت على المستشرق الفرنسى “كريستيان شيرفيس” الباحث فى المخطوطات العربية فسمح لها بالبحث فى مكتبته بعد أن لاحظ شغفها بالآثار والرحلات فأشار عليها أن تكتب تاريخ بلادها وهو من أطلق عليها بنت بطوطة .
تناولت عصمت الإسكندرانى فى كتابتها الكثير من المواقع الحربية ومنها معركة حطين وعين جالوت وموقعة شريش والتى حقتت فتح العرب والمسلمين للأندلس لعدة قرون . وشاركت بهذه الكتب فى مسابقة جريدة ماتان الفرنسية عن أشهر المواقع الحربية . وذلك إلى جانب كتبها بالعربية منها أحاديث تاريخية من تارخ هارون الرشيد والبرامكة وكتاب بعنوان “صفحات من تاريخ البحرية المصرية سنة 1947م لتصوير حياة البحار .
أهدى الرئيس جمال عبد الناصر أم البحرية المصرية وسام الكمال الذهبى سنة1955م ولكنه سرق من بيتها ، فأهدى لها وساما آخر بمناسبة الحتفال بيوم البحرية وبإنشاء المتحف البحرى بالإسكندرية فى 29 أغسطس 1960م . كانت هذه السيدة تستطيع دخول مقر القوات البحرية فى أى وقت ،وتستطيع الصعود على ظهر أى بارجة أو مدرعة حربية دون أى عوائق ، فهى سيدة وفقا لمن تعاملوا معها عن قرب تنبض كل نقطة من دمها بحب أرض النيل .
وفى عيد الأم يوم 21 مارس من كل عام كان يزورها فى منزلها ضباط سلاح البحرية وطلاب الكلية البحرية يقدمون لها باقات الورد وتعيد على مسامعهم الأمجاد العربية فى البحار وكيف كان الأسطول المصرى سنة 1840م ثالث أسطول فى العالم بفضل جنوده الشجعان .وذلك حتى رحيلها فى صمت سنة 1973م فى عزبتها بشبرا خيت .

زر الذهاب إلى الأعلى