راندا الهادي تكتب : ماذا فعل التعليم في أولادنا؟
بإحدى المقابلات التلفزيونية مع كارل إدوارد ساجان – وهو فلكي أمريكي من أبرز المساهمين في تبسيط علوم الفلك والفيزياء الفلكية ، وغيرها من العلوم الطبيعية ، كذلك كان له دور رائد في تعزيز البحث عن المخلوقات الذكية خارج الكرة الأرضية – ذكر حقيقة غاية في الأهمية لاحظها في الأطفال ، حيث قال ( والحديث على لسانه) : ” اذهب للتحدث مع الأطفال في الروضة، ستجد فصلًا مليئًا بعشاق التساؤلات. يسألون أسئلة عميقة. جدا مثل :
ما هو الحلم؟ لماذا لدينا أصابع القدم؟ لماذا القمر مستدير؟ ما هو عيد ميلاد العالم ؟، أسئلة عميقة ومهمة جدا !! عكس ذلك،اذهب وتحدث إلى طلاب الجامعة… كارثة !!!لقد أصبحوا غير فضوليين تماما.
وكأن حدث لهم شيء فظيع بين روضة الأطفال والجامعة . ” هنا انتهى اقتباسي من العالم الأمريكي كارل ساجان .
كثيرون قبلي طرحوا هذا السؤال وهو ماذا تفعل العملية التعليمية بأبنائنا ؟ وأين يذهب فضولهم للمعرفة والتجريب والابتكار؟ ، وفقا للمقترض يجب على العملية التعليمية أن تنمي هذه المهارات العقلية لدي الطفل وتزيد من قدراته الإبداعية جنبًا إلى جنب مع مهاراته الأكاديمية ، لكن ما يحدث في الواقع غير ذلك تماما .
يزيد التعليم النظامي من الضغط النفسي والبدني على الطفل بسبب الكم الهائل من الواجبات المنزلية والمعلومات النصية التي يجب على الطالب تخزينها واسترجاعها عند السؤال ، فضلا عن التوتر الذي يملأ المنزل بسبب حرص الوالدين أو أحدهما على أن ينهي الطالب فروضه المدرسية قبل موعد النوم ، ليبدأ في صباح اليوم التالي حلقة جديدة من مسلسل التعليم الشرطي ( احفظ لتنجح) ولا بأس إن فهمت ما تتجرع أم لم تفهم .
أين عقول المستقبل التي نربيها لتقود البلاد والأمة؟ أين مبدعي الغد ومن سيعيدوا للأمة مجدها العلمي والتاريخي؟ كيف سيولد بيروني آخر أو خوارزمي أو عبقري مثل ابن الهيثم ؟ في دراسة أجريت عام 2006 قام هاريس كوبر، أستاذ علم النفس في جامعة ديوك، بدراسة على العلاقة بين الواجبات المنزلية ومستوى الطلاب الأكاديمي، وكانت نتيجة الدراسة أن الواجبات المنزلية بداية من الصف السابع ( الأول الإعدادي ) حتى الصف الثاني عشر ( الثالث الثانوي) تحسن بشكل كبير من مستوى الطلاب الأكاديمي، ولكن للمراحل الأقل تأثيرها أقل، حتى أنه صرح بعدم ثبوت أي أدلة على أهميتها للأطفال في المرحلة الابتدائية.
ومن هذا المنطلق قامت إحدى مدارس نيويورك بالغاء الفروض المنزلية تماما واستبدال ذلك باستمرار الطلاب ساعتين إضافيتين في المدرسة .
وحتى لا نتجنى على المشهد التعليمي والمحاولات العديدة لتطويره ، نطالب بالنظر إلى الدراسات والبحوث العلمية في دور التعليم لتنمية الإبداع والابتكار عند الطفل والتركيز على ترسيخ هذا الأساس ، وإلا لن نجد لنا موضع قدم بين صانعي الغد وسنبقى إلى الأبد ناقلين متلقين للعلم بكل أشكاله وصوره، لعلنا نحيي مرة أخرى في عقول أولادنا الفضول وحمّى الأسئلة التي أطفأتها العملية التعليمية .