مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب : أنا وأبي في أكتوبر

0:00

هذا الشهر لا تستطع الكلمات احتواء ما أكنه له من مشاعر فياضة فضلا عن كل الشهور . فقد كان دوما قدومه مصدر بهجة ومتعة لي منذ الطفولة ، كيف لا ؟ وهو يحمل بين طياته ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة .
لكن في هذا المقال لن اتحدث عن عظمة وجلال هذا الانتصار ، فالأسير لن تتحمل والمعاني من المستحيل أن تحتوي ما نشعر به تجاه هذا النصر ، ولكن حديثي سيكون عن ذكرياتي مع والدي في هذا اليوم والتي أكاد أُجزم أنها تتشابه مع ذكريات كل أبناء جيلي من مواليد السبعينيات والثمانينيات .

بداية وجب التنويه أن جيل أكتوبر ومنهم والدي كان انتماؤهم للوطن متجذرا وأصيلًا ، كيف لا وهم من عاشوا ذروة أوقاته العصيبة أطفالًا في عمر الزهور ، ودافعوا عنه شبابًا كالوحوش ، لذا كنت أنا وأخوتي عندما تهل ذكرى السادس من أكتوبر نعلم أننا سندخل مدينة الحكايات التي لن تنتهي عن بطولات الجيش ولحظات اقتراب الموت من الرؤوس كما كان يقول والدي دوما : “أن الموت كان أقرب إلينا من نعالنا “.
وباعتباري الفتاة الوحيدة بين أخوتي كنت أنا أول من أدق باب الحكايات ، بسؤال والدي عن سبب الندبات التي تملأ ساقيه وظهره ، فيخبرني أنها من آثار دانة مدفع سقطت وسط (الدوشمة) التي كان يحتمي بها هو وزملاؤه لتتطاير الأشلاء ويختفي في لحظة رفاق السلاح ويكون نصيبه من الدانة رشقات تترك أثرها في عقله وقلبه قبل جسمه ، ولك أن تتخيل والدي وعيناه تلمع بالدموع وهو يحكي عن صديقه من الاسماعيلية الذي قسمته الدانة لنصفين على بعد أصابع منه ، ورهبة الموقف عندما يتحسس كل واحد منهم جسده بعد الضربات ليتأكد أنه لم يفقد جزءً منه بعد .

ورغم مرور السنين ظل والدي يحتفظ ببعض المهمات الخاصة بأحد الجنود الصهاينة ممن استولوا على موقعهم خلال الحرب ، ومنها ( الحديدة المكتوب عليها بياناته، وإحدي أدوات المائدة التي كان يستعملها واسمه مكتوب عليها بالعبرية) .

يظل أكتوبر شهرًا وتاريخًا وانتصارًا ذكرى تسري مسرى الدم في عروقنا ، كيف لا ونحن جيل أبناء أبطال أكتوبر ، ويبدو أن هذا الشهر أمسى تميمة نحس على العدو الصهيوني ، كلما حاول نسيانه جاء من يذكره به ، فهل نهايته ستكون به ؟ اتمنى .

رحمة الله على والدي (فتحي محمد الهادي ) الذي شارك في حرب الاستنزاف وانتصار أكتوبر المجيد ، ورحمة الله على عمي ( رضا محمد الهادي ) شهيد عملية الثغرة ، والذي بُلِّغ والدي بشهادته وهو بأرض المعركة، ورحمة الله على كل من شارك في هذا الانتصار بدمه أو مجهوده ليهدينا فخرًا وعزة لا حرمنا الله منها كلما هلّ أكتوبر .

زر الذهاب إلى الأعلى