حازم البهواشي يكتب: في حب العربية
نفخر _ نحن العربَ _ بلغتنا لأنها فضلًا عن كونها أداة تواصل وتفكير، فهي لغة القرآن “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” (يوسف _ 2)، ولغةُ أهل الجنة، وهذا يجعل لها قداسةً عند أهلها حتى وإن أهملوها!! ويقول الأديب “مُصطفى صَادق الرَّافعي” (1880م _ 1937م ): (كانتِ اللغةُ العَربيَّةُ مَمْلَكَةً بِلا حَاكِمٍ حتَّىٰ جاءَها القُرآن).
ولأن اللغةَ تَستمِدُّ قوتَها من قُوةِ أهلِها في جميع المجالات، فإنه وبُعيد نصر أكتوبر عام 1973م وبالتحديد في الثامن عشر من شهر ديسمبر من نفس العام 1973م، أصبحت اللغةُ العربية من اللغات المعترف بها في الأمم المتحدة، وأصبح هذا اليومُ (18 ديسمبر من كل عام) هو اليومَ العالميَّ للغة العربية، اللغةِ الأغنى من حيث المفردات بين اللغات، قال ذلك الإمام الشافعي (150هـ _ 204هـ) في الرسالة: ” لسانُ العربِ أوسعُ الألسنة لا يُحيط بجميعِه إلا نَبِيّ “، وأثبتته الإحصائياتُ حديثًا، حيث أشارت إلى أن عدد مفردات العربية يتجاوز اثني عشر مليون كلمة، أما الإنجليزية مثلًا فيقول دارسوها: إن كلماتها في المتوسط لا تتعدى سبعمائة وخمسين ألف كلمة.
وهيا بنا في جولة نتعرف خلالها على بعض محاسن لغتنا أو بعض ما نجهله:
نظن أن (الكهلَ) هو الشخصُ الطاعنُ في السِّن، لكنَّ المعاجِمَ تذكرُ لنا أن الكهلَ هو من جاوزَ سِنَّ الشباب ولم يصلْ سِنَّ الشيخوخة، أو هو مَن بلغتْ سِنُّه بين الثلاثين والخمسين!!
ونظن أن (الشاطر) هو الماهر المُجِد، لكنَّ الكلمةَ في أصلها تُطلق على الخبيث الماكر، وأصبحت تُستخدم أيضًا للدلالة على الشخص حادِّ الفَهم سريعِ التصرف، وعند الصوفية هو السابقُ المُسارع إلى الله.
وانظرْ إلى هذه الجملة التي تُقرأ حروفها من اليمين إلى اليسار، وتكون هي ذاتها إذا قَرأتَها من اليسار إلى اليمين: (كمالك تحت كلامك)، وكذلك جملة (مودته تدوم)!!
ومن جميل استخدام القرآن الكريم للألفاظ في قوله تعالى: ” فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ … ” ( البقرة _ 230 )، قال العلماء: لماذا قال: ( زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ ) ولم يقل: ( زَوْجًا آخَر )؟! وذكروا في الإجابة عدةَ أسباب أختار منها: أن كلمة ( آخر ) تدل على نهاية المعدودَين الاثنين، كما في سورة يوسف: ” وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ … ” (يوسف _ 36)، أما (غيره) فتُطلق على واحدٍ من عدد كثير، فهي تختار من بين رجال كثيرين! كما أن في وصف الزوج بلفظ (غيره) تنبيه للمرأة أن تُراعيَ عند اختيارها الزوجَ ألا يتصفَ بصفات الزوج الأول مما أوقع بينهما الخلاف!!
وأسوق مما قرأتُ هذه العلاقة الطريفة بين النحو والشجاعة، فحتى قواعد اللغة العربية تخضع للجرأة والقوة والشجاعة:
رجلٌ يقول: (تزوجتُ الثانيةَ ظُهرًا)!!
لك في إعراب “الثانيةَ” وجهان:
الوجه الأول: إن كنتَ خائفًا أعربتَ “الثانية” ظرفَ زمان؛ أي: تزوجتُ في الساعة الثانية.
الوجه الثاني: إن كنتَ بطلًا شجاعًا أعربتَ ” الثانية ” مفعولًا به، أي: تزوجتُ زوجةً ثانيةً في وقت الظهر، وعليه تكون (ظهرًا): ظرف!!
واعلمْ أخي المُعْرِب أنَّ دفْعَ المضارّ مُقدَّمٌ على جلبِ المنافع، وأن الإعرابَ الأول ينفعك والثاني يَضُرُّك!!
أما أبي _ رحمه الله _ فكان إذا سمع خطيبًا كثيرَ اللحن في العربية، وسأله الخطيب النصيحة، كان يقول له: (العربية عايزة زقة)!!
سلامٌ على لغةٍ نطق بها خيرُ الأنام، واختارها اللهُ لكتابِه الخاتم.