حازم البهواشي يكتب: حَسَدُوه ميتًا !!

اختلف البعضُ حول موت الفجأة، وهل هو دليلُ غضبٍ من الله، أم دليلُ قربِ العبد، حتى أن الله _ جلَّ وعلا _ لم يُرِدْ أن ينالَ المرضُ من عبده فلا يتحمّل؟!
يُحكى أن شابًّا عاش حياةً قصيرةً في مدتها، طويلةً في أثرها بما تحمِلُه من خيرٍ وذكرٍ طيِّب، وكأنه في كل معاملةٍ كان يمشي بل يركبُ إلى الموت!! مات هذا الشابُّ فجأة في ميدان الشرف، فقال بسطاءُ الناس ممن يعرفونه، وخصوصًا من السيدات:
_ (هو كده… الحلو مابيطوِّلْش في الدنيا)!!
_ (صحيح يا ولاد، الموت بينَقّي)!!
قالت ابنتُه الكبرى: سأدعو لكَ حتى أجاورَك، وستظلُّ حاضرًا في قلبي، لك الجنةُ وليَ الصبر!!
وقالت الصغرى: يا فقيدَ قلبي، تركتَ أثرًا في حياتِنا وجُرحًا في قلوبنا!!
أما أولئك الذين لديهم مِسحةٌ من ثقافة، فقد استدعى أحدُهم قولَ الأمير:
إن كانَ للأخلاقِ رُكنٌ قائِمٌ // في هذه الدنيا فأنتَ البانِي
باللهِ فتِّشْ عن فؤادِكَ في الثرى // هل فيه آمالٌ وفيه أماني؟!
وهذا شابٌّ جامعيٌّ ممن تعلقوا به، استدعى مقولةَ العراب (أحمد خالد توفيق): (كنتُ أتساءل: لماذا يختارُ الموتُ أفضلَ مَن فينا؟! لكنني وجدتُ الإجابةَ مؤخرًا؛ لأنهم نجحوا في الامتحان مبكرًا، فلا داعيَ لوجودهم)!!
أما ذلك الذي رأى مشهدَ الجِنازة، وصدمه هذا العددُ الهائلُ من المُحبين، ولم يستطع أن يطعن فيه، فارتدى مسوحَ الرُّهبَان وقال: (سبحان الله يا أخي، لقد استعاذ رسولُ الله من موت الفجأة، ربنا ما يكتبها علينا)!! قال ذلك والحسدُ يملأ قلبَه من هذا المشهد الذي لم يتوقعه أبدًا!! سمِعَه أحدُهم ممن يعرفون طبعَه، فقال بنظرةٍ في عينيه كأنها تتحدثُ إليه: أتحسِدُه ميتًا؟!
كانتْ جِنَازَتُهُ مَهِيبَة،
تعجَّبَ لها أصحابُه مِن أهلِ المَدينة، تعجَّبُوا مِن هذه الحشودِ الضَّخمةِ التِي مَشَتْ خَلْفَ نَعْشِه لتُوَدِّعَهُ إلَى مَثْوَاهُ الأخِير!! بدأتْ كاميراتُ الهواتفِ المحمُولةِ فِي تصويرِ المَشْهَد، ضَجَّ الـ (فيس بوك) بخبرِ وفاتِه مصحُوبًا بصُورِه، والثناءِ عَلى خُلُقِه، وتذكُّرِ أيادِيه البيضاء، والدعاءِ له.
دعوةٌ واحِدةٌ لامرأةٍ لمْ تُشارِكْ فِي المَشْهَد، لكنَّها عَلِمتْ بنَبأِ وفاتِه، دَعَتْ لَهُ فِي بَيْتِهَا: (سَتَرَكَ اللهُ كمَا سَتَرْتَنِي). تِلكَ هِيَ الدَّعْوَةُ التِي أحدَثَتِ الفَارِق!!
لقد تناسى أخونا الحاسدُ أن موتَ الفجأة راحةٌ للمؤمن، وأن الأمرَ يتعلق بأن يكونَ المتوفَّى من أهل الصلاح والخير، وله من الأعمال ما يُرجى أن تكونَ نورًا بين يديه يوم القيامة، وعندئذٍ لا يُبالي بصورة الموت؛ فهو مستعدٌ له، والمؤمن أمرُه كلُّه خير. أما غيرُ المؤمن فموتُ الفجأة بالنسبة له أخذةُ غضب؛ إذ لم يكن أمامه وقتٌ ليتوبَ ويستعدَّ أو ليمرضَ فيُخفَّفَ عنه!! وهناك فرقٌ بين موت الفجأة وموت الغفلة!!
رحِمَ اللهُ الطيبين.