مقالات الرأى

إميل أمين يكتب: فضيلة الحوار ومواجهة ثقافة الكراهية

في مقدمة القضايا التي باتت تؤثر تأثيرا سلبيا على عالمنا المعاصر، تأتي قضية ثقافة الكراهية، وإنتشارها بين الأفراد والأمم على حد سواء .
ولعله من المقطوع به أن ثقافة الكراهية باتت تنقسم إلى قسمين :
الأول : تمييزي، متحيز، متعصب ، غير متسامح .
الثاني : إزدرائي ، إحتقاري ، مهين، مذل، لفرد أو مجموعة.
تطفو اليوم علامة إستفهام مثيرة ومقلقة : ” لماذا يتسارع معدل إنتشار هذه الثقافة البغيضة في حاضرات أيامنا، رغم أن الكراهية شعور إنساني، عرفته الخليقة منذ بداياتها، وغالب الظن أنه سيظل ماضيا ما بقيت البشرية على سطح الكرة الأرضية”؟.
مرد الأمر كما يراه السيميائي الإيطالي الكبير، الأديب الراحل إمبرتو إيكو، هو نشوء وإرتقاء من يطلق عليهم لقب” فيالق الحمقى”،أولئك الذين باتوا يتمترسون وراء شاشات وسائط التواصل الإجتماعي، صباح مساء كل يوم.
لقد أقترن تزايد المحتوى الإلكتروني الذي يحرض على الكراهية مع ظهور معلومات مضللة يمكن مشاركتها بسهولة بواسطة الأدوات الرقمية،وهو ما يثير تحديات غير مسبوقة لمجتمعاتنا، حيث تكافح الحكومات لفرض القوانين الوطنية في نطاق العالم الإفتراضي وسرعته الفائقة.
في هذا الإطار لم يعد خافيا أن مساحة هذه الثقافة المرفوضة والخطاب الممجوج ، باتت تتسع وتتوزع ما بين خطاب إيديولوجي وأخر دوجمائي، وثالث سياسي، وبينهم تتمدد الحركات العنصرية الشوفينية، وتتعالى الأصوات القومية الأحادية الرؤية والتوجه، وجميعها طفت فوق سطح الأحداث عالميا في النصف الأول من القرن العشرين، مما قاد العالم وقتها إلى حربين عالميتين.
هل آفة حارتنا الكونية النسيان، كما قال صاحب نوبل، الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ، في رائعته “أولاد حارتنا”؟
لإيجاد جواب ، ربما يتحتم علينا أن نتعرف على المستفيدين من شيوع وذيوع تلك الثقافة، وغالب الأمر سنجدهم جماعة أصحاب المصالح الضيقة، من سياسيين مؤدلجين، ورأسماليين براغماتيين، أو أدعياء دينيين يحكمون باسم الإله ، وجميعهم تحكمهم نرجسية غير مستنيرة، جل هدفهم رفع سقف المزايدات على المهانين والمجروحين في إنسانيتهم، الأمر الذي يتبدى في صفوف الأقليات والمهاجرين، اللاجئين المنكسرين والنساء، وكل من هو أخر، وليس شرطا أن يكون من المستضعفين .
كارثة خطاب الكراهية، تتمثل في أنه يضعف النسيج المجتمعي على صعيد الدول أول الأمر، فالأقاليم تاليا، وصولا إلى تحطيم العالم وتدميره نهاية الأمر، عبر إدخاله في دوامة العنف الأممي ، تلك التي تتغذى على بذور الخوف والكراهية، وتنمو في أجواء إنعدام الثقة في نفوس أفرادها، وعليه يضحى حديث الحروب أمر متوقع على بؤسه وهوانه، فالأحقاد تولد الغضب، والغضب يفجر مشاعر النقمة، وهذه لا تجد لها متنفسا الإ عبر النار والدمار كوسيلة وأداة للتعاطي ، ومن غير أدنى دالة على فهم حكيم أو تسامح خلاق ، يمكن أن يقطع الطريق على أصحاب الشر المجاني .

كيف لنا أن نواجه هذا الشر القائم والقادم ؟

لسنا في حاجة إلى إختراع العجلة، فمن البديهي القول أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فإذا زرعت في العقول والأفئدة فضيلة الحوار والجوار، عبر مناهج تعليمية راقية ورائقة، تحث على التفكر والتدبر، وتفتح الباب أمام قبول الرأي والرأي الأخر، حكما سوف تنشأ أجيال واعية لمعنى ومبنى الحرية المسؤولة، والديمقراطية المرغوبة الخيرة والمغيرة، وليس الديمقراطية الغناء التي يعزف على أوتارها أصحاب المآرب .
في هذا السياق تكون السيادة والريادة للخبراء التربويين والمتخصصين، بالشراكة مع المؤسسات التعليمية الرسمية، وبدفع ودعم من قبل المؤسسات الأهلية التي باتت حجر زاوية في حياة الشعوب المستنيرة .
فيما الركن الأعظم الثالث ،فيدور في فلك السيسيولوجيا المجتمعية إن جاز التعبير، والتي تتضمن الأنشطة الإعلامية والثقافية والفكرية، وهذه تتوزع عبر مسارب عدة، من عند الفنون والآداب ، مرورا بالرياضة ، وكافة الأنشطة الحركية الإبداعية وما يلف لفها من أفكار الإبتكار .
إن أجيالا تنشأ في وسط فني مسرحي وسينمائي، موسيقي أوبرالي وأوركسترالي، أجيالا تعرف طريقها إلى الكتاب والقصة والرواية، أجيال قادرة على التواصل الإيجابي عبر أدوات التواصل الإجتماعي التي حولت العالم من قرية كونية كما قال عالم الإجتماع الكندي مارشال ماكلوهان في ستينات القرن الماضي ، إلى صندوق الدنيا عبر الهواتف الذكية ، هي أجيال حكما لن يتوافر لها وقت للكراهية، ولن تعرف أزمنة شتاء الكراهية على حد تعبير الأديب الفرنسي الكبير ” فيكتور هوجو “، بل يحين معها آوان الربيع حيث تتفتح أزهار الحياة في مواجهة دعوات الموت ، وتنمو في قلوبها دروب المحبات عوضا عن نشر سموم الكراهيات.

زر الذهاب إلى الأعلى
اكتب رسالتك هنا
1
تواصل معنا
اهلا بك في بوابة " مصر الآن"