مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: الإنترنت المظلم، ومقتل طفل شبرا

أحدُ القرارات المهمة التي لم أندم على اتخاذها في حياتي، هو منع بناتي من امتلاك هاتف محمول حتى سِن السادسة عشرة، وبصدق كان هذا القرارُ نابعًا في الأساس من مخاوفَ على صحتهم البدنية، لكن مع مرور الوقت أدركتُ أن المخاطرَ الناجمة على الصحة النفسية والعقلية للأطفال من إتاحة هذه الأجهزة في إيديهم أشدُّ وأقسى،
ولعلّ في جريمة طفل شبرا ما أعاد لذهني حتميةَ تحذير كل من يهمه الأمر من الهواتف المحمولة، وتوفيرها لدخولٍ حُر غير مقيد وبعيد عن الرقابة للإنترنت بأنواعه.

لمن لا يعرف واقعةَ طفل شبرا، فقد عَثر الأهالي على جُثة طفل في الخامسة عشرة من عمره داخل إحدى الشقق مقتولًا ومنزوعَ الأحشاء، لتبدأ التحقيقات وتكشف النيابة أن مُنفذ الجريمة هو وسيطٌ لعنصرٍ آخر ناشط على الإنترنت المظلم (dark web)، طلب منه تصويرَ مقاطع ڤيديو لقتل طفل واستخراج أحشائه مقابل خمسة ملايين جنيه لبيعها على الإنترنت المظلم!!

مما لا شك فيه، قد أثار انتباهَكم مثلي مصطلحُ الإنترنت المظلم، وهل هناك إنترنت طيب وإنترنت شرير؟! بالفعل هذا واقع ومعروف لدى المتخصصين، فالناشطون على الإنترنت المظلم يُطلقون على الإنترنت الذي نستخدمه الشبكة النظيفة (clearnet) وذلك بطبيعة الحال لأنها آمنة ومراقبة، أما الإنترنت المظلم فهو جزءٌ من شبكة الويب العالمية لا يمكن الوصول إليه مباشرة من الإنترنت العام، بل يحتاج إلى برمجيات وضبط وتفويض خاص للولوج إليه.

لماذا؟ ستعرف ببساطة السبب إذا علمتَ طبيعةَ المعاملات على هذه الشبكة المظلمة، والتي تتعلق بالمُخدِّرات غير المشروعة، خِدْماتِ القرصنة الاحترافية، تجارة السلاح، مواد إباحية غير قانونية، الإرهاب، تعذيب جنسي، وقتل حيوانات … إلخ.

كل ما هو مُجرَّم قانونيًّا ومُحرَّم اجتماعيًّا مُتاحٌ على الإنترنت المظلم، والذي يُعد جزءًا صغيرًا جدًّا مما يُسمى الإنترنت العميق، وليس كما يَعتقد البعض أن الإنترنت المظلم هو الإنترنت العميق (deepnet).

مُرتادو الإنترنت المظلم هم المحتالون، القتلة، الهاكرز الخطِرون، العملاء السريون، الشواذ والمرضى النفسيون، والمتطفلون، وهنا سنقف عند الفئة الأخيرة لأنها تضم أبناءنا، مَن يقتلهم الفراغُ والفضول وتجربةُ ما هو غيرُ اعتيادي، وهنا القتلُ أمسى واقعًا وليس مجازًا، خاصةً إذا علمنا أن دراساتٍ وبحوثًا حديثة تؤكد ازديادَ نِسب استخدام المراهقين للإنترنت المظلم.

وإذا ما علمتم أن أقوى الدول المتقدمة والأنظمة الأمنية تقف عاجزةً عن الولوج أو التتبع لمحركات بحث هذا النوع المظلم من الإنترنت، كان حتمًا علينا ممارسةُ الرقابة _ وبصرامة _ على استخدام أولادنا لشبكة الإنترنت وتوعيتهم من خطورة ما يُسمى بالإنترنت العميق وابنه الشرعي الإنترنت المظلم، لأنه ببساطة القادم مخيف.

زر الذهاب إلى الأعلى