مقالات الرأى

عبد المعطى أحمد يكتب: المكتبة الوطنية الاسرائيلية تركز علي الثقافة العربية

0:00

جاءت الحرب الأخيرة في غزة، لتلقي بظلالها علي المكتبة الوطنية الاسرائيلية، والتي كان من المقرر افتتاح بنايتها الجديدة في شهر أكتوبر 2023، فتأجل الحفل، وخيمت أجواء الحرب علي المكتبة، إلي أن قررت إدارتها افتتاحها للجمهور يوم 29 أكتوبر، المكتبة بدأت مشروعا لتوثيق أحداث 7 أكتوبر عبر عدد من المستويات، منها التسجيل مع الاشخاص، وتوثيق كل ما ينشر علي وسائط التواصل الاجتماعي، وكانت إسرائيل قد قررت في عام 1998 البدء في مرحلة جديدة للمكتبة تواكب المتغيرات في فضاء المكتبات وادوارها، فالمكتبات لم يعد دورها ترفيف وخزن الكتب، بل إنتاج المعرفة واتاحتها، وتزايد هذا الدور مع تصاعد الخدمات الرقمية للمكتبات، ومع عام 2012 تم طرح مسابقة معمارية لتصميم بناية جديدة للمكتبة تواكب هذه المتغيرات، وبالرغم من أنه كان من المقرر أن تفتتح البناية عام 2021 إلا أنه إلي عام 2024 لم يتم الانتهاء منها نهائيا، وتبلغ تكلفة البناية الجديدة 225 مليون دولار، بتصميم علي مساحة 46 ألف متر مربع، وبارتفاع 11 طابقا، وتضم قاعة قراءة كبري تسع 600 قارىء، مع إمكانيات كبيرة غير مسبوقة .

وتؤشر المكتبة الجديدة – فى راى الدكتور خالد عزب أستاذ الآثار الإسلامية – إلي رغبة إسرائيل في دور جديد للمكتبة فهي ليست ذاكرة إسرائيل وأرشيفها ومستودعها الرقمي، بل أيضا فاعل ثقافي وفكري وعلمي، وهذه الأدوار تؤشر إلي الحاجة لبناء مشروعات بحثية وإنتاج ثقافي، يعزز هذا شراكة الجامعة العبرية في المكتبة التي كانت بدايتها عام 1892، مما يساعد علي هذا مجموعات المكتبة القوية من أوعية المعرفة فهي تقتني ما يزيد علي 4.500.000 كتاب، و2.500.000 صورة، و106.141 صحيفة، و609.000 مخطوطة، وما يقرب من 12167 خريطة، و1.418.350 وثيقة، و14793 فيديو، يتكامل مع هذا ارشيف الانترنت الإسرائيلي الذي يحفظ كل ما ينشر علي الإنترنت من مواد متعلقة باسرائيل واليهود للأجيال القادمة، هذه المواد تتنوع ما بين مواد متعلقة باليهود وتاريخهم، وبين مواد تركز علي المنطقة العربية، لكن الملفت للانتباه هو المجموعات الفلسطينية المتعددة من صحف وكتب وصور وهذه المجموعات أتت من استيلاء المكتبة علي مكتبات خاصة بمواطنين فلسطينيين أثناء حرب 1948 و1967، ومن أبرزها مجموعات كانت في بيوت القدس التي هجر أهلها قسرا، وكذلك من بيوت عدد من كبارالمثقفين الفلسطينيين ومن أبرزهم: خليل السكاكيني، محمد النشاشيبي، حلمي عبد الباقي، يوسف هيكل، توفيق كنعان، وعمليات المصادرة طالت الكتب والصور والوثائق وغيرها.

إن ما يؤشر علي نجاح مشروعات المكتبة الوطنية الإسرائيلية قدرتها علي فهرسة مقتنياتها من أوعية المعرفة العربية، بصورة جعلت البحث علي شبكة الإنترنت تقدم أوعيتها العربية علي غيرها من المكتبات العربية، ورصدهذا عدد من الباحثين العرب، فضلا عن بناء مجموعات من المصادر والمراجع حول موضوعات محددة، فالتاريخ والجغرافيا حاضران فيها، وتجاوزت ذلك إلي بناء رصيد من الصور من القرن 19 إلي القرن العشرين شمل فلسطين والمنطقة العربية، وبغض النظر عن مصدر هذه الصور، إلا أن طريقة عرضها، وكذلك إتاحتها بصور مختلفة وتوظيفها يستلب القاريء العربي أيضا، فإلي أين تذهب المكتبة الوطنية الإسرائيلية في فضاء الثقافة العربية ؟
يجيب الدكتور خالد عزب عن هذا السؤال بقوله:
في حقيقة الأمر إن المؤسسات الثقافية العربية القوية وعددها قليل نسبيا وضعف الغالبية العظمي منها، يتيح المجال لتمدد المكتبة الوطنية الإسرائيلية في فضاء الثقافة العربية، مما قد يراه البعض جزءا من سياسات التطبيع العربي الاسرائيلي، وقد يراه البعض محاولة لاستلاب العقل العربي، وقد يراه البعض جانبا من بناء معرفي للتعاطي مع العقلية العربية، لكنه في حقيقة الأمر هو كل ماسبق، فقد حرصت اسرائيل منذ قيامها علي دراسة العرب والتعاطي مع الشعوب العربية، وكانت بداية هذا اذاعة إسرائيل باللغة العربية التي في بعض اللحظات حققت نجاحات في ظل كذب الاذاعات العربية التي فقدت مصداقيتها، فقد كانت اذاعة اسرائيل العربية تنطلق من فهم العقلية العربية، ثم أن الدراسات الاسرائيلية المتعلقة بالمنطقة العربية جادة وتتابع عن كثب كل شيء، هنا نري مساحات للمكتبة الوطنية الاسرائيلية، فعلي سبيل المثال تحتفظ المكتبة الوطنية الاسرائيلية ب 34709 صحيفة عربية معظمها من فلسطين ثم مصر، باجمالي 294007 صفحة و931317 مقالة، تشكل في مجملها وجهات نظر من الماضي توظف في القضايا السياسية الحالية، وتشتمل علي أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية، ومن هذه الصحف النادرة:
القدس: صدرت عدة صحف في القدس تحمل اسم القدس كان أولها سنة 1876 صدرت باللغتين العربية والتركية، وسرعان ما أغلقت، ثم ظهرت مجددا صحيفة القدس في عام1903، ثم صدرت في الفترة من 1908 : 1913 صحيفة القدس، وهي صحيفة عرفت نفسها بأنها أدبية اجتماعية سياسية.
إن قدرة المكتبة الوطنية الإسرائيلية علي مخاطبة الجمهور العربي والمسلم ممتدة نحو الاحتفاء بالمناسبات الإسلامية عبر اتاحة صور لها أو كروت بريدية أو معلومات أو مخطوطات مثل: المولد النبوي، وعيد الأضحي، وفي ذكري الإسراء والمعراج أتاحت علي موقعها مقتنياتها من المخطوطات وغيرها من المقتنيات المرتبطة بهذا الحدث.
وحرصت المكتبة الوطنية الإسرائيلية علي إبراز العلوم الإسلامية بعرض مخطوطاتها، خاصة مخطوطات الفلك والطب والرياضيات، وامتد ذلك إلي إبراز عدد من الشخصيات الإسلامية مثل: ابن تيمية، وابن القيم الجوزية، والبوصيري .

زر الذهاب إلى الأعلى