ثقافة وابداع

اليونيسكو تدرج موقع “الفاية” فى الشارقة على قائمة التراث العالمي

باريس: علاء عبد الهادي

0:00

أعلنت لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو، خلال دورتها السابعة والأربعين المنعقدة في باريس، إدراج موقع “الفاية” الأثري في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة على قائمة التراث العالمي، ليكون الموقع العربي الوحيد الذي نال هذا التصنيف الدولي الرفيع خلال العام الجارى.

يتميّز موقع “الفاية” بأهميته الاستثنائية في الكشف عن تاريخ الوجود البشري المبكر في البيئات الصحراوية، ويوثق الموقع دلائل على نشاط بشري يعود إلى أكثر من 210 آلاف عام، ما يجعله من أقدم الشواهد على التكيف البشري مع البيئات القاسية. ويؤكد إدراج “الفاية” على قائمة اليونسكو للتراث العالمي الدور الجوهري الذي أدّته شبه الجزيرة العربية في مسارات هجرة الإنسان واستقراره، ويمثل محطة علمية محورية في دراسة تطور الإنسان عبر العصور.

يأتي تصنيف “الفاية” ضمن فئة “المناظر الثقافية” ليؤكد على مكانته الاستثنائية في الأبحاث المتعلقة بما قبل التاريخ، وعلى دوره الحيوي في تعزيز فهم التحولات المبكرة في حياة الإنسان في البيئات الجافة.

تضم قائمة التراث العالمي حاليًا 1226 موقعًا ذا قيمة عالمية استثنائية، منها 955 موقعًا ثقافيًا، و231 موقعًا طبيعيًا، و40 موقعًا مختلطًا، موزعة على 168 دولة، فيما يبلغ عدد مواقع التراث العالمي في الدول العربية حتى اليوم 96 موقعًا في 18 دولة.

وعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً، قادت هيئة الشارقة للآثار برنامجاً بحثياً مكثفاً في موقع “الفاية” بالتعاون مع مؤسسات علمية دولية رائدة، من أبرزها جامعة توبنغن الألمانية المتخصصة في آثار ما قبل التاريخ، وجامعة أوكسفورد بروكس البريطانية في مجال الدراسات البيئية القديمة. وقد أسفرت هذه الشراكات الأكاديمية عن كشف 18 طبقة أثرية متعاقبة، توثّق مراحل متعددة من الوجود البشري في المنطقة، وتقدّم أدلة نوعية غيّرت جذرياً النظرة السائدة إلى أنماط الهجرة البشرية الأولى والاستيطان في شبه الجزيرة العربية.

ويسجل لـ “الفاية” أنه الموقع الصحراوي الأول الذي يوثق لحقبة العصر الحجري المسجل في قائمة التراث العالمي، ما يجعل هذا الاعتراف علامة فارقة في فهم تطور الإنسان، إذ تشكل الصحارى نحو 20% من المواطن البيئية على سطح الأرض، وتقع في مواقع محورية على خارطة استيطان الإنسان للكوكب. ويجسّد استقرار الإنسان فيها فصلاً حاسمًا من فصول التاريخ البشري.

ويعكس هذا الإدراج التاريخي الجهود المتواصلة التي تبذلها دولة الإمارات وإمارة الشارقة في صون التراث الإنساني المشترك، ويؤكد التزام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة،بدعم البحث العلمى وحفظ التراث، وتعزيز التعاون الدولى .ونيابةً عن دولة الإمارات وإمارة الشارقة، أعربت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، السفيرة الرسمية لملف ترشيح “المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية”، عن شكرها لرئيس لجنة التراث العالمي وأعضائها الموقّرين، على هذا الاعتراف التاريخي، مؤكدةً أن قصة “الفاية” تشكّل جزءًا أصيلًا من الحكاية الإنسانية المشتركة.

وأضافت: “إن إدراج (الفاية) يرسّخ إسهام الشارقة في كونها مهداً للتاريخ البشري المبكر، ويبرز الدور المحوري لشبه الجزيرة العربية في رحلة الإنسان للخروج من إفريقيا. وتُعد الأدوات الحجرية التي عُثر عليها في الفاية، والتي يتجاوز عمرها 200 ألف عام، دليلاً ناطقًا على عبقرية أسلافنا وجذور التقاليد الثقافية العميقة في منطقتنا”.

واختتمت تصريحها بالقول: “نحن ملتزمون التزامًا راسخًا بحماية هذا الموقع، وتكريم إرث من سبقونا، ليظل مصدر إلهام للأجيال في مختلف أنحاء العالم”.

وقال عيسى يوسف، مدير عام هيئة الشارقة للآثار: “نفخر بأن الفاية أصبحت تنتمي إلى كل شعوب العالم، تمامًا كما كانت قبل أكثر من 200 آلاف عام”.
وأضاف: “يمثل هذا الإدراج ثمرة عمل مشترك جمع بين الصرامة البحثية العلمية، والرعاية الثقافية، والدبلوماسية الدولية، وكل ذلك في إطار رؤية الشارقة الممتدة منذ أكثر من 30 عامًا، والتي تدمج بين التراث والتعليم والتنمية المجتمعية”.
وأشار إلى أن “الشارقة تقدّمت رسميًا بملف ترشيح الفاية إلى اليونسكو في فبراير 2024، بعد 12 عامًا من التحضير المستمر للملف والموقع، مدعومًا بثلاثة عقود من الأعمال الأثرية المكثفة، والدراسات البيئية، وخطط الحفظ المتكاملة. وقد خضع الموقع لتقييم صارم وفق معايير اليونسكو الدقيقة، التي لا تقبل إلا المواقع ذات القيمة العالمية الاستثنائية والتأثير الممتد للمستقبل”.

زر الذهاب إلى الأعلى