محمد أمين المصري يكتب: الأمم المتحدة في مرمي نيران السودان
قبل أيام من موعد تجديد مهمته مبعوثا للأمم المتحدة في السودان، فوجئت الأوساط العالمية والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بطلب الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي بالسودان وقائد الجيش بضرورة تغيير فولكر بيرتس، وهو ما عبر عنه جوتيريش بقوله إنه يشعر بـ”الصدمة” إزاء طلب قائد البرهان استبدال فولكر بيرتس الذي تنتهي مهمته في الثالث من يونيو المقبل. ولم تتوقف صدمة جوتيريش في طلب الخرطوم ولكنه أعرب في تغريدة على “تويتر” إنه فخور بالعمل الذي قام به ممثله الخاص في السودان وأنه يثق فيه ثقة كاملة وما سبق وتوصل إليه من اتفاقات مع المكونات السودانية خصوصا الاتفاق الإطاري.
لم يكن مبعث الصدمة من الأمم المتحدة والأوساط العالمية فقط، فالسودانيون أنفسهم استغربوا توقيت مطالبة البرهان بتغيير بيرتس، بالإضافة إلي تساؤلاتهم عن تجاوزاته التي أغضبت قائد الجيش السوداني الذي قال عن المبعوث الدولي إنه مصدر إزعاج للخرطوم وكان داعما لميليشيات قوات الدعم السريع ولولاه لما تمر قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي”. وكانت من بين اتهامات البرهان للمبعوث الدولي أنه مارس التضليل في تقاريره للأمم المتحدة عندما إدعي أن هناك اجماعات حول الاتفاق الإطاري وأنه لولا إشارات من جانب عدة أطرف من بينها بيرتس ما كان لحميدتي أن يتمرد علي الجيش السوداني.
المثير للدهشة أن رسالة البرهان إلي جوتيريش تم نشرها في وسائل إعلام سودانية قبل أن يتسلمها الأمين العام، الأمر الذي دعا للاستغراب، لأن الأمر المعتاد أن مثل هذه الأمور تظل طي الكتمان في الكواليس الدبلوماسية ولا تنشر إلا بعد مداولات مستفيضة بين الأطراف المختلفة والاتفاق على مرشح بديل.. ولهذا وضع المراقبون تساؤلا افتراضيا حول ما إذا كان الفريق عبد الفتاح البرهان يريد تعزيز موقعه في الحرب الدائرة بالسودان بعيدا عن أعين الأمم المتحدة وتدخلاتها..والمعروف أن بيرتس كان من المفترض أن يلتقي البرهان وحميدتي يوم 21 إبريل الماضي يوم اندلاع المعارك بين الطرفين بهدف التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة السياسية التي يشهدها السودان منذ 2021 عندما أطاح رئيس المجلس السيادي (البرهان) ونائبه (حميدتي) بالشركاء المدنيين في الحكم. وكان فولكر بيرتس من أشد المتحمسين للتوصل إلى اتفاق يعيد المدنيين إلى الحكم عبر المفاوضات، وطالما عبر عن تفاؤله بالوصول إلى اتفاق حتي فوجئ بالحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع بصورة أغلقت كل الأبواب الممكنة لاستئناف الاتفاق الإطاري وعودة المدنيين الي شراكتهم في الحكم.
ووفقا لما نشرته وسائل السودانية، فقد جاء في رسالة البرهان إلى الأمين العام للأم المتحدة: إن بيرتس مارس في تقاريره تضليلا وتدليسا بزعم الإحماع على الاتفاق الإطاري، وإنه أصر على فرض الاتفاق بوسائل وأساليب غير أمينة رغم ما اعترى هذا الاتفاق من ضعف وثغرات، مما أفضى إلى ما حدث من تمرد ومواجهات عسكرية. واعتبر البرهان فولكر بيرتس طرفا ليس وسيطا في مهمته ولا يلتزم بالحياد واحترام سيادة الدول.
ينطبق على السودان حاليا مقولة “ما أشبه الليلة بالبارحة”، فقد طالب المعزول الإخواني عمر البشير، من كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة في أكتوبر 2006 بتغيير المبعوث الدولي للسودان، يان بروك، لأسباب تقترب كثيرا لما ذكره البرهان في مذكرته للمنظمة الدولية. فالبرهان اتهم بيرتس بتشجيع حميدتي على التمرد، وإن وجوده على رأس البعثة الأممية لا يساعد على تنفيذ تفويض بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان..وهو ما سبق ذكره البشير عام 2006 واتهامه المبعوث الدولي الدبلوماسي النمساوي يان بروك بأنه شخص غير مرغوب فيه واتهمه بالقيام بتصرفات عدوانية تمس الجيش السوداني، إثر نشره على موقعه الإلكتروني معلومات عن خسائر في الجيش السوداني من قبل المتمردين.
وقد اتفقت ردود فعل عنان وجوتيريش على رسالتي البشير والبرهان بأن وضعا ثقتهما الكاملة في مبعوثهما.
ولم يكن خطاب البرهان وليد لحظته، فقد سبقته حملات تجييش من قبل عناصر النظام السابق من الإسلاميين، طالبوا فيها بطرده، وخرجت مظاهرات عديدة تطالب بطرده، وآخرها ما نظم في مدينة بورتسودان التي انتقلت إليها البعثة الأممية بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
من يتابع الإعلام السوداني غير الرسمي ربما يتوصل لنتيجة مؤداها أن أنصار البشير يشنون حملات يومية على مواقع التواصل الاجتماعي ضد المبعوث الدولي للسودان فولكر بيرتس، ويعتبرونهه شخصا يهدد وجودهم السياسي في الشارع وأن وجوده على رأس البعثة الدولية للسودان يمنح خصومهم ومنهم قائد قوات الدعم السريع ثقلا سياسيا في الشارع على حساب البرهان الذي تعتبره فئة من السودانيين أن موال لأنصار البشير والأخوان المسلمين. ولذا طالب هؤلاء الأمين العام للأمم المتحدة بعدم الانصياع لمطلب البرهان وتغيير المبعوث الدولي، لأن استبداله في الوقت الراهن سيضع السودان في مأزق دولي ويعرضه لعزلة دولية.
ختاما..فإن من أهم مطالب بيرتس من طرفي الصراع بالسودان – الجيش والدعم السريع- العمل فورا على وقف القتال وتجنب أي فرصة لإطالة أمد الحرب واستئناف محادثات إيجابية بين الأطراف المتحاربة بأمل إعادة تشكيل حكومة فاعلة في وضع أكثر استقرارا.