مقالات الرأى

رجب البنا يكتب: محمد صل الله عليه وسلم

كارين أرمسترونج راهبة بريطانية تحولت إلى البحث فى تاريخ الأديان، ولها كتابان عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أحدهما بعنوان «محمد: سيرة النبى» والثانى بعنوان «محمد نبى لزماننا» قدمت فيهما دراسة واسعة تثبت أن محمدًا رسول بعثه الله بدين للبشر جميعا وليس للعرب وحدهم، وكشفت التناقض فى العقلية الغربية التى تدعى أنها عقلية علمية وموضوعية ومحايدة بينما تتخذ موقفا مبدئيا غير عقلانى ضد الإسلام ورسوله دون دراسة أو تحليل كافيين، بينما تكشف الدراسة الموضوعية أن الإسلام فى تفسيره لعقيدة التوحيد يتميز بعبقرية خاصة وعلى الغرب أن يتعلم منها، وقالت: بهرنى تقدير الإسلام للأديان الأخرى وحديثه عن المسيح وأمه العذراء مريم باحترام وقداسة كبيرة كما يتحدث عن النبى موسى والتوراة بنفس الاحترام، وعلى الرغم من أن محمدا له هالة رمزية عند المسلمين إلا أنهم لم يدعو أبدا أن له طبيعة إلهية، بل إنه – كما فى القرآن – شخصية إنسانية «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ»، فهو يداعب أصحابه، ويداعب حفيدته، ويختلف مع زوجاته، ويبكى لموت أصحابه، ويحزن لوفاة ابنه الوليد كأى أب، وقالت: إذا نظرنا إليه كرسول نجده أمينا فى نقل ما يبلغه به جبريل عن ربه حتى ما يتعلق بعتابه على مواقف وآراء معينة، وتتحدث كارين أرمسترونج عن «الروحانية» التى أسسها محمد دون أن يعتزل الحياة، وكيف أقام مجتمعه المثالى فى المدينة وعاش يمثل نموذجًا للإنسان الكامل ورمزا يضيء للمسلمين حياتهم ويضيف إليها معان تسمو بالإنسان.

وفى كتابها «محمد نبى لزماننا» تقول إن شخصية محمد (صلى الله عليه وسلم) فيها دروس مهمة للناس وليس للمسلمين فقط.

فقد كانت حياته جهادًا ضد الطمع والظلم والتكبر، ولم يفرض عقيدته فرضا (لا إكراه فى الدين) وكان اهتمامه الأكبر تغيير قلوب وعقول الناس، ولذلك أصبحت شخصيته مجاوزة للزمان، والقيم التى أرساها ساعدت المسلمين لعدة قرون على التمتع بالاحترام، وترك تاريخًا يجب أن تتعلم منه الحضارة الغربية.

والمستشرقة الألمانية الشهيرة البروفيسور أنا مارى شيميل لها دراسات وكتب ومحاضرات كثيرة جدا عن عقيدة وحضارة الإسلام وعن نبى الإسلام، تقول إن عظمة محمد تتجلى فى قبوله لكل الأديان السماوية مما جعل الصوفى الكبير محيى الدين بن عربى يقول:

لقد صار قلبى قابلا كل صورة

فمرعى لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف

وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنىّ توجهت

ركائبه، فالحب دينى وإيمانى

وفى هذا قمة التسامح، وتعبير عن القلب الإسلامى الكبير – قلب النبى– الذى لم يكن يضيق بأى إنسان بسبب عقيدته، ويتعامل مع الإنسان على أنه إنسان، وتقول: لم أجد فى كل ما قرأت مثل هذه الدرجة من التسامح ومحبة الإنسانية، كما لم أجد المساواة بين الرجل والمرأة كما وجدتها فى دعوته فهو – بأمر الله – يسوى بين المؤمنين والمؤمنات، وكانت النساء تخالط الرجال فى حضوره، والإسلام كما علمه للمسلمين هو الحب بمعناه الواسع.. حب الله.. وحب الناس جميعا.. وحب الطبيعة.. وحب الحيوان.. والرفق به، وكل ما فى الكون تجليات القدرة الإلهية.

والمستشرق الألمانى الدكتور ويلفريدهوفمان الذى نشأ كاثوليكيا وعمل خبيرا نوويا فى حلف الأطلنطى وتعمق فى دراسة الإسلام وأجاد اللغة العربية واعتنق الإسلام فى النهاية، وله عدة مؤلفات عن الإسلام منها كتاب (الإسلام كبديل) و(خواء الذات والأدمغة المستعمرة) وغيرهما، قال إن عظمة النبى محمد أنه حرص على أن يؤكد دائما أنه بشر اختاره الله ليبلغ رسالته، وعاش كما يعيش الناس، ومات كما يموتون، وتألم ومرض كما يتألمون ويمرضون، وتحمل الأذى، وكان مثالاً للقوة الروحية المؤمنة بصدق رسالتها وبأن الحق معها، وعلم أصحابه أن التسامح هو جوهر الإسلام ومن عفا وأصلح فأجره على الله كما جاء فى القرآن، والذين يستنكرون أن المرأة المسلمة تغطى شعرها، لماذا لا يستنكرون تغطية المرأة اليهودية المتدينة لشعرها؟ ويقول هوفمان إن المستشرقين بذلوا جهدا كبيرا لإثبات أن ما ذكره محمد من أن القرآن من عند الله وفشلوا كما فشلوا فى إثبات حدوث تغيير أى حرف أو كلمة فيه وهذا دليل على صدق محمد وما جاء فى القرآن: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»، ولا يستطيع أى إنسان أن ينكر التأثير الخلاب على قارئ القرآن والمستمع إليه، وفى القرآن إشارات لحقائق علمية لم تكن معروفة فى ذلك الزمان، وقد غرس فى المسلمين البُعد عن تتبع عورات الناس، وعن الغيبة والنميمة، وعن التجسس، ومضايقة الجار، ويشجع على طلب العلم واستخدام العقل والتفكير والتدبر وقال (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)، وتعاليمه تمثل قمة الإنسانية والأخلاق.

وشرح هوفمان كيف حدد الرسول مسئولية كل مسلم فى أن يقيم العدل والحق فى حدود سلطاته كما جاء فى الحديث (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، ويقول إن فى شخصية الرسول جوانب يحتاج الغرب إلى دراستها لكى يفهم طبيعة هذا النبى، ويؤمن بصدق رسالته وإخلاصه فى إبلاغ الرسالة التى أوكلها إليه الله، وحياته كلها تدل على أكثر وصف ينطبق عليه أنه «الصادق الأمين»، كما أطلق عليه العرب حتى من قبل نزول الوحى عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى