مقالات الرأى

حسن الشايب يكتب: عن غلاء الأسعار سألوني !!

لا حديث للناس في مصر هذه الأيام غير غلاء الأسعار وتعويم الجنيه وجنون الدولار، ترك كثيرون أعمالهم وراحوا يبحثون وراء المضاربة في السوق السوداء لتحقيق الكسب السريع وممارسة الإحتكار، لا يهمهم الإضرار بإقتصاد البلاد وزيادة معاناة الفقراء، رافعين شعار “نفسي ثم نفسي”، أو كما قال الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري في إحدى قصائده: هي النفس نفسي يسقط الكلُّ عندها .. إذا سَلِمتْ فليذهبِ الكونُ عاطبا !!

وإذا كنا قد سمحنا لمغنِّيين اسمهما مودي أمين وأحمد موزة أن يشدوا بأغنية هابطة تقول كلماتها” أنا نفسي ثم نفسي ثم طُز في كله” فماذا ننتظر من الملايين الذين يسمعون هذه الأغنية ويرددون كلماتها التي تدعوهم إلى الأنانية وحب الذات ، ولسان حالهم يقول «طُز في كله»، كما قالها من قبل مرشد «الإخوان المسلمين» محمد مهدي عاكف في عام 2006 «طُز في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر» ، في حوار نشرته صحيفة روزاليوسف وأثار آنذاك أزمة عنيفة وجدلاً واسعاً، بين إنكار الجماعة وتحدي الصحيفة بصحة مضمون الحديث المسجل بشريط كاسيت لديها بصوت عاكف.

معظم الناس يحمِّلون الحكومة وحدها مسؤولية الإرتفاع المستمر للأسعار ، وأصبح كل مواطن خبيراً اقتصادياً يتحدث عن الفشل الكبير في مواجهة غول الأسعار ومافيا الدولار، وكثر الحديث عن الإنهيار المنتظر للإقتصاد المصري والإفلاس القادم مثل لبنان، وكأنهم يتحدثون عن بلد هش ضعيف من بلاد الموز وليس عن مصر الكبيرة القوية التي إجتازت على مر العصور الكثير من المحن والأزمات وآخرها أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية التي لا تزال تأثيراتها قائمة ومستمرة.

نعم الحكومة الحالية برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي مسؤولة بشكل أساسي عن إدارة شؤون الدولة وفي مقدمتها الشأن الإقتصادي وكبح جماح غلاء الأسعار الذي بات وحشاً كاسراً يأكل الأخضر واليابس، لكن هناك مسؤولية أخرى ليست أقل أهمية، تقع على عاتق فئات عريضة من الشعب نفسه مثل الموردين والتجار وغيرهم، بعدم إستغلال الأزمات والصيد في الماء العكر ، وإرتكاب ممارسات غير دينية وغير إنسانية، تصب الزيت على النار، وتزيد معاناة الناس وخاصة الفقراء فوق معاناتهم. فمن أهم أسباب ارتفاع الأسعار هو جشع التّجار واستغلالهم للوضع الاقتصادي دون رقيبٍ أو حسيب، وكذلك احتكار السّلع وتخزينها لعرضها في وقت يكون الناس في أمس الحاجة إليها، بأسعار أعلى بكثير.

ما يشعر الإنسان بالأسى والحزن هو هذا التكالب الغريب على حب الدنيا وجمع الأموال بأساليب غير شرعية قاسية وخالية من الرحمة والرأفة، مما يؤدي إلى زيادة الشعور بالحقد والضغينة والكراهية بين الناس ، ويُرْهِقُ الضعفاءَ والمحتاجين، ويزيد من معدلات العنف والجريمة.

وهو ما حذرنا منه رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في قوله: “يأتي زمان علي أمَّتي يحبون خمس وينسُون خمس، يحبُّون الدنيا وينسُون الآخرة، يحبُّون المال وينسُون الحساب، يحبُّون المخلوق وينسُون الخالق، يحبُّون القصور وينسُون القبور، يحبُّون المعصية وينسُون التوبة، فإن كان الأمر كذلك ابتلاهم الله بالغلاء والوباء والموت الفجأة وجور الحكام”، البخاري.

نعم ، الأزمة الإقتصادية التي تمر بها بلادنا الحبيبة كبيرة ، ومعاناة الناس من غلاء الأسعار طال أمدها في ظل تراجع مستمر لقيمة الجنيه المصري، لكن مصر التي اجتازت عشرات المحن والأزمات طوال تاريخها العريق، قادرة بحول الله تعالى، ثم بتكاتف شعبها وقيادتها والمخلصين من أبنائها، أن تعبر هذه المحنة الاقتصادية الحالية، وأن يأتي اليوم الذي يجني فيه المصريون ثمرة تحمُّلهم وصبرهم ومعاناتهم .. وإن غداً لناظره لقريب.

«ومضة»: قيل لأعرابي: لقد أصبح رغيف الخبز بدينار، فأجاب: والله ما همَّني ذلك ولو أصبحت حبة القمح بدينار.. أنا أعبد الله كما أمرني وهو يرزقني كما وعدني!!

زر الذهاب إلى الأعلى