أحمد محمد صلاح يكتب : مصر هبة تاريخها

بين مقولة هيردوت مصر هبة النيل، ومقولة محمد شفيق غربال مصر هبة المصريين، كان الأمر يحتاج الي ربط بين المقولتين ، لتنتج في النهاية انمصر هبة التاريخ او وبعني ادق هبة تاريخها،
فبمنطق علماء القانون والسياسة وهي ان الدولة تتكون من شعب واقليم وسلطة سياسية، فان مصر ارتبطت بالنيل وما حوله، وكان النيل مصدرا ابويا للمصريين، بمعني انه كان بمثابة الأب والمعلم بل واحيانا الها ، ونعرف جميعا انه مازال له عيدا هو وفاء النيل، وبنفس منطق رجال القانون فان النيل في حد ذاته يعد هو مصدر الاقليم، الذي سيعيش حوله الشعب .
مصر كانت كما قلت من قبل كائنا حيا ، تمرض ثم تشفي ، تتمدد ثم تنكمش، حيت استقرت الحدود بعد المواثيق الدولية الحديثة الي ما نحن عليه الان ، فشمالا البحر المتوسط، وشرقا ليبيا، وجنوبا السودان، اما غربا فالبحر الأحمر وفلسطين، والمساحة الكلية مليون ومئتي الف كليو متر مربع ، يحتل المصريون فيها فقط 7 % من مجمل مساحة مصر، متركزين حول النهر.
وقد يكون موقع مصر في قلب العالم، بين اسيا وافريا واوروبا، وبعد حفر قناة السويس ، مما ادي الي زيادة الأهمية الاستراتيجية ، وبالتالي الي الأهمية السياسية ، ثم التاريخية، والتي ادت بالضرورة الي سلسلة معقدة من الأحداث المتسارعة التي مرت بها البلاد في فترات معينة من تاريخها.
ولست هنا احاول ان أكتب فلسفة سياسية أو تاريخية، ولكن ببساطة مجرد القاء ضوء علي ارتباط هذا الموقع المهم مع التاريخ، فهناك دولا كاملة ليس لها ذكر في تاريخ الأمم بسبب موقعها حتي لو حاولت تلك الأمم ان تجد لنفسها دورا اسفل مظلة التاريخ، ولكن مصر كانت بؤرة اساسية في كل احداث العالم حتي ولو كانت بعيدة عنها كل البعد.
ولنعد الي مصر وتاريخها، ونريد ان نقتبس كلمات الفيلسوف الألماني اوسفالد سبلنجر الذي يقول «مولد المدنية ثم نموها، فنضوجها، وأخيرًا انحلالها فزوالها»، ويقول استاذنا محمد شفيق غربال وقد سما الأستاذ «توينبي» ويقصد به المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي ، بدراسته التغير ومظاهره إلى أرفع مراتب المجاهدة الروحية، ولكنه لا يقبل أن يكون ما سماه «دول العصبيات المحلية» مجالات صالحة لعمل المؤرخ، ولكن هل نستطيع حقًّا أنْ نغفلها على هذا النحو السهل؟ وبعد، هل يوجد ماض يعتد به شعبٌ من الشعوب سوى ماضيه، ماضي وطنه، ماضي عصبيته المحلية مهما كان شأنه ضئيلًا بالنسبة إلى ماضي الإنسانية، ومهما كان أفقه محدودًا ضيقًا؟
وفي الفكر الماركسي يعتبر التطور التاريخي عموما هو نتيجة حتمية، تراكمية، لخبارت الأمم والحضارات، وهو ما حدده كارل ماركس ، في كتاب راس المال، من ان الأمم تتعلم وتنضج ولابد أن تتطور الي الأعلي، ولو قسنا ذلك علي مصر، مع وضع فرضيات ماركس وسبلنجر، سند ان تاريخ مصر يعج بفترات نمو ثم اضمحلال، ثم نمو وتعلم ثم اضمحلال مرة اخري .
كل تلك العوامل مع الجغرافيا، مع فترات التاريخ المختلفة ادت الي وجود تفرد رهيب سواء في الثقافة المصرية أو شخصيتها، وهو ما جعل تلك البقعة من العالم مثار علوم نشأت تحمل اسمها ، المصريات، فكانت عن حق مصر هبة تاريخها