راندا الهادي تكتب : جلسة مع أمي

من ليسوا من أبناء القاهرة ومازالت صلتهم بمسقط رأسهم موجودة ، هم وحدهم من سيفهمون هذه الذكريات والمشاعر التي سينطوي عليها هذا المقال ، منذ أن بدأت رحلة العمل ، وقدَّر الله أن أقيم في القاهرة وموسم الأعياد والإجازات أخذ عندي شكلًا وطعمًا مختلفًا عن ذي قبل ، حيث يملأني التوتر والقلق والترقب ، لا تندهشوا فهذا ما يحدث بالفعل ، لأنني لا أدري كيف سيكون جدول عملي المتغير أسبوعيًا بسبب طبيعة الوظيفة التي أعمل بها ، والتي لا تضع باعتبارها أنني مغتربة وأسافر عشرات الكيلومترات لأنال قسطًا من الراحة على سريري ، أو للجلوس مع والدي وأخوتي لتبادل أطراف الحديث ، أو للحصول على وجبة شهية وسط دفء الأسرة .
وهنا لا أنسى كم عامًا مر على وأنا أعمل نهارًا أو مساءً أيام العيد والأجازات ، وطعم المرارة في حلقي عندما مرّ علي رمضان وأنا أتناول إفطاري بمفردي متخيلة مشهد البيت ووالدي ووالدتي وأخواتي لو كانوا معي .
تلك لحظات تحفر أناملها بالذاكرة لتغير الشخصية إلى الأبد ،ولتعلموا أن الذكريات ليست عملات نقدية نجمعها في حصالة العمر ، الذكريات هي جدران القلب التي يستند عليها إذا ما انهار يوماً من قسوة الواقع ومرارته ، وهنا يلزم الإنسان من حين لآخر جلسة استشفاء ، جلسة يعيد فيها ترميم جدران قلبه ، جلسة تمهل الروح استراحة في ظل لحظاتها السعيدة التي عاشتها ؛ فتعود بعدها متماسكة قادرة على الاستمرار وسط ابتلاءات الحياة .
قد تكون هذه الجلسة مع أم أو أب أو أخ أو صديق هو أقرب من الجميع ، وقد تكون مع كل هؤلاء إذا ما كنت من سعداء الحظ ، وبما أنني من الأشخاص الذين لا يعترفون بالحظ بتاتًا ، ولا هو يعترف بهم ، فجلستي الاستشفائية دوما تكون مع أمي، حيث الراحة والدفء والحنان ، جلستي مع أمي تعيدني إلى أيامي الرائقة حيث لا حزن ولا هم ولا مسئولية، جلستي مع أمي تأخذني لأماكن سعيدة ولحظات منعشة تنفض القلب نفضًا ، تحيله إلى فراشة رقيقة لا تحمل سوى البهجة والأمل .
نعم ، جلسة الأم تغنيك عن الدنيا وما فيها ،لذا نصيحتي اصنعوا ذكريات سعيدة بقدر المستطاع ، لا تتركوا الحزن والتشاؤم يغلف حاضركم الذي سيكون يومًا ما في ملفات ماضيكم ، فعندما قال سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم “بشّروا ولا تنفروا” كان التوجيه للبحث عن الأمل ، السعادة، النجاح وأسبابه مهما كان الواقع مظلم وكئيب ، وإذا ما تكالبت عليكم المشاكل والهموم فعليكم بجلسة .