أمجد مصطفى يكتب: الذوق العام وسر خلود بيليه

ما الذى حدث للذوق العام؟ سؤال اصبح يتردد على السنة الناس خلال الفترة الاخيرة،تعقيبا على سماع اغنية ما،او مشاهدة فيلم سينمائى،او مسلسل درامى،نتيجة خلل كبير وتراجع محبط فى اختيار الكلمات سواء كلمات الاغنية او الحوار الخاص بالفيلم او المسلسل من ألفاظ خادشة للحياء اطلقوا عليها لغة العصر،رغم ان الالفاظ التى تخدش الحياء موجوده فى كل الازمنة والعصور،لكن استخدمها الان اصبح كارثة الفن،وبالتالى فالعصر ليس له ذنب فيما يقدمون او يفعلون، لكن الأن اصبح الشباب اكثر جرئة من الشاب فى سابق العصور والازمنة، فى الماضى كان الشخص منا يجرى لكى يختبئ من والدة او شقيقة الاكبر حتى لا يراه فى الشارع، كنا نجرى نختبئ من المدرس، كنا نهاب ناظر المدرسة كأننا التقينا أسد فى صحراء، كان للجار احترامة، و كانت البنت ملكة متوجه فى حيها او شارعها او حارتها،لم يكن احد يجرؤ على النظر اليها،هكذا تربينا،وكل هذه السلوكيات كان يتحلى بها افراد الاسرة المصرية حتى ثمانيات القرن الماضى، ثم تدهور الحال،و كأن المجتمع قد انقسم على نفسه،نتيجة وجود اغانى لا معنى لها كانت هى المسيطرة على الساحة و انتقلنا من مرحلة ام كلثوم و عبد الوهاب و حليم ونجاة و فايزة ووردة وغيرهم الى مرحلة الانهيار خاصة فى الكلمة،وهنا لا اقصد بالقطع اغانى هانى شاكر او منير او الحدجار او محمد الحلو.
حتى لا يفهم كلامى خطأ،لكننى اقصد محلة ما اطلق عليها اغانى الجيل، مع تلك المقولة،بدأنا نعم من هنا بدأ الذوق العام فى الهبوط لان الشاب كان يمكنه ان يقتنى كاسيت ويسمع ما يحلو له بعيدا عن أعين الاسرة، واكب هذا الامر انتشار المخدرات بين الشباب، نتيجة تلك الخلوة بين الشباب ،من سماع اغنية الى “جوان المخدرات”.
ووقتها لم يكن حال باقى افرع الفن فى نفس حالة الانهيار،الحقيقة تؤكد ان فترة الثمانيات و التسعينات وحتى مطلع الالفية الجديدة كان الانتاج الدرامى على اعلى مستوى شاهدنا، الشهد و الدموع و الحلمية ورأفت الهجان و دموع فى عيون وقحة و بوابة الحلوانى و غيرهم من الاعمال الدرامية،ولان وقتها كان التليفزيون عبارة عن قناتين فقط اوأكثر بقليل كانت الاسرة تجتمع حول شاشة واحدة، لكن مع دخول الفضائيات و تعددها أنقسمت الاسرة واصبح لكل عدة اشخاص فى الاسرة الشاشة الخاصة بهم، البنات لديهم شاشة فى غرفتهم، والصبيان نفس الامر،وبالتالى لم يعد الاب او الام لهما سيطرة على ما يشاهدة الابناء،ومع دخول الكمبيوتر والانترنت زادت المصيبة،ولم يعد الابناء فى حاجة الى الفضائيات،و بالتالى انهار الذوق العام اكثر فأكثر،اصبح الابناء يسهرون حتى الصباح و كذلك الموظف والفلاح و العامل،و بالتالى حتى الاداء فى العمل تراجع الى حد كبير، و مع دخول المحمول ازداد انهيار الذوق العام أكثر، بل ان الأسرة لم تعد تلتقى حتى حول مائدة الطعام، واصبحت الام حريصة ان تعد لكل فرد طبق خاص به يذهب به الى غرفته زيادة فى الدلال و الانهيار فى ذات الوقت، بالتالى اصبح الذوق العام فى حالة تدعو الى البكاء والرثاء،و اصبح من هم الأن فى عمر الاربعينات و الخمسينات و انت طالع ،ليس لديهم سوى البكاء على الماضى، واستخدام مفردات وجمل من نوعية الله يرحم كذا وكذا وكذا،لانهم عاشوا جو الاسرة، الأن اين ذهبت الاسرة ،واين ذهبت الاخلاق؟.الفن هو مرآة الشعوب يعكس الواقع،وبالتالى اصبحت الاغانى والافلام والمسلسلات عبارة عن مفردات تدعو الى الحزن على حالنا و ما آلت اليه الاخلاق.نعم وجود تلك النوعية من الاعمال سببه الاسرة لانه هى من انجبت الشاعر و الملحن و السيناريست و المخرج والممثل،وهى ايضا التى انجبت المشاهد،وبالتالى بناء المجتمع والقيم الاخلاقية يبدأ من عند الأم والأب وهما عماد الاسرة.الأب كان يبنى رجل”الابن’”،و الأم تبنى مؤسسة”البنت”،لأن الأم بمثابة مؤسسة كبيرة تتكون من افراد الاسرة.
**اختم مقالى بكلمة عن بيلية الجوهرة السمراء الذى رحل عن عالمنا منذ ايام قليلة،و هو نموذج للانسان الى بنى نفسة واستطاع ان يكون رقم واحد طوال تاريخ كرة القدم،لم يأتى مثلة، كان لاعب متكامل سلوكا وادائا،لذلك سيبقى بيلية رغم الرحيل،لان الابداع دائما يدوم حتى بعد رحيل صاحبة،الابداع ابقى واقوى من كل شئ،الابداع تخليد للشخص فى كتب التاريخ، فى الصور، فى الجداريات فى حديث الناس، و الابداع ليس فن”مطرب او ممثل” او مؤلف رواية او شاعر او ملحن لاعب كرة او،كل صانع عامل هو مبدع فيما يعمل ان اراد ان يخلد. الابداع سر خلود صاحبة.