مقالات الرأى

ناصر عراق يكتب : الآداب والسلوك في تويتر وفيسبوك

كلما طالعت مواقع التواصل الاجتماعي تذكرت عميد علماء الاجتماع في مصر الراحل العظيم الدكتور سيد عويس (1903/ 1988) الذي جاب مصر كلها طولا وعرضًا كي يرصد ما يكتبه المصريون البسطاء على جدران بيوتهم أو مساجدهم أو على سيارتهم وشاحناتهم، حتى يتمكن من فهم طبيعة الشعب المصري ويفسر سلوكياته في أيام الفرح وهي شحيحة محدودة، أو في أيام الحزن وهي كثيرة طويلة.
لقد فعل سيد عويس ذلك في ستينيات القرن الماضي، حيث لم يكن هناك مكان ما يمكن أن (ينشر) أو (يستوعب) ما تمور به صدور المصريين البسطاء، ولعل كتابه المدهش (هتاف الصامتين) يوضح لنا الكثير عن طبيعة فقراء هذا البلد وبسطائه، وما أكثرهم.
لذا كم تساءلت وأنا أتصفح مواقع السوشيال ميديا الآن: هل هناك باحث أو عالم اجتماع توغل في صفحات الفيسبوك، الأكثر حضورًا في مصر المحروسة، ليدرس ما يكتبه الناس في بلادنا الآن، كل الناس، وليس البسطاء فقط؟ لكن قبل أن أواصل هناك أمر بالغ الأهمية ينبغي تحريره وهو: إن الإنسان، مهما كان مستواه العلمي أو الثقافي أو الاجتماعي أو الطبقي، تداعبه رغبة جارفة في التعبير عن ذاته… في الحضور… في التواجد… في اكتساب اهتمام الآخرين وإعجابهم. وهذا حق يجب احترامه. من هنا نعي لماذا يحتشد الفيسبوك بملايين البوستات والصور يوميًا.
لكن… دعنا نطمع في ظهور باحث حصيف يجيب عن الأسئلة التي تطرحها بوستات الفيسبوك وتغريدات تويتر. الأسئلة السلبية المخفية لا الظاهرة فحسب. مثل: ما السبب في حجم البذاءة التي تسيل من أناس متعلمين ومثقفين، بجانب البسطاء ومحدودي التعليم؟ وكيف نفسر هذه الحدة التي تصل إلى حد السب والشتم في الردود والتعليقات إذا كتب أحدهم (بوست) لم يعجبهم أو يخالفهم في الرأي؟ لماذا لا يمر الإنسان على البوست المخالف لرأيه مرور الكرام، فلا يعلق إلا بالتي هي أحسن؟ أو يتجاوز البوست نهائيًا. كيف نفهم أن يقدم شاب عشريني على توبيخ سيدة خمسينية لأنها تنشر صورها بملابس يراها غير لائقة من وجهة نظره؟ بل كيف نفسر إصرار شاب لم يتجاوز الثلاثين على كيل النصائح لرجل فوق الستين… أيًا كانت طبيعة النصائح؟.
هل اختفى الذوق؟ هل حرم الكثير من الأجيال الجديد من نعمة التعامل اللائق مع الآخرين؟ يبدو لي أن البذاءة المتنامية الطافحة بكثافة في الكثير من بوستات فيسبوك وتوتيتر تعود إلى أمور عديدة أهمها الشعور بالظلم أو الإحساس بالتعالي على الآخرين. إنها بذاءة السادة، وبذاءة (العبيد). السادة يتباذؤون، إذا جاز التعبير، من باب العنجهية والغرور الأعمى، و(العبيد/ البسطاء/ الغلابة) قد يتباذؤون من تفاقم الغبن والقهر وقلة الحيلة.
أذكر أن صديقا شكا لي مرة أنه يكتب تعليقات من عدة جمل تشجع وتحتفي بصاحب البوست أو صاحبته، فلا يتلقى منه أو منها كلمة واحدة، وإنما أيقونة تمثل اليد التي تحيي أو وردة أو قلبًا أحمر. ويضيف: أليس الكلام الجميل يستوجب كلامًا جميلا في الرد؟ هل الأيقونات صارت بديلا عن الكلمات؟ ألا أرد على من يقول لي السلام عليكم، بعبارة وعليكم السلام، أم أكتفي برفع يدي بصمت؟.
الحق أنني ابتسمت، فالزمن يتغير والسلوكيات تتغير فيما يبدو، بينما صديقي هذا مازال معتمدًا على الآداب القديمة والتقاليد التي تلقيناها في الصغر.
على أية حال… ما أحوجنا إلى باحث جاد موهوب يعمل على تحليل الآداب والسلوك في توتير وفيسبوك، عسى أن نتجاوز كل ما هو مشين ومزعج، لنصل إلى ما نتمنى من رقي وسمو.

زر الذهاب إلى الأعلى