حازم البهواشي يكتب: راضي حمادة _ راضي ميادة!!

ظاهرتان في مترو الأنفاق أصبحتا خطرًا داهمًا تحت سمع وبصر وبمعرفة السلطات المختصة، ألا وهما التسول والباعة الجائلون!!
مصيبة التسول أن كثيرين لا يزالون ينخدعون فيمن يقومون به، فيعطونهم وهم مطمئنون أن ما عند الله لا يضيع، وهذه حقيقة، لكن التحري مطلوب، وبما أن تاريخ المتسولين يقول إن ما يفعلونه أصبح مهنة، تُدِر عليهم دخلًا يفوق دخل الوزراء، فإنه ينبغي ألا نتعاطف معهم، مهما تعددت طرقهم وتمثيلياتهم!!
ليس الفقر وحده هو الدافع للتسول، وإنما أيضًا الكسب الكثير السريع المضمون، فيستغل المتسول تعاطف الناس مع التمثيلية التي يتقنها، بل وأصبح الآن بعض الباعة داخل المترو يشاركونه التمثيل فيها، فيتوقف البائع أو البائعة لتعلن للركاب أن (عم فلان ده يا جماعة كان بياع زميلنا، لكن ربنا ابتلاه بالمرض الفلاني وماعدش بيقدر يشتغل، يا ريت كلكم تساعدوه)!! وهل عم فلان لم يعد يقدر على تعب ومشقة العمل، لكنه يقدر على تعب ومشقة التسول؟!
أعرف سيدة ممن احترفن التسول وكانت هيئتها توحي بحاجتها للمساعدة كالعادة، هذه السيدة كانت تعيش مع ابنتها وزوجها، فلما ماتت حزن زوج ابنتها عليها حزنًا شديدًا؛ ذلك أنه بفضل تسولها أصبح يملك أرضًا وثروة حيوانية!! وبوفاتها فقد بنكًا متنقلًا كان يعطيه كل يوم ما تيسر من مال _ وهو كثير _، من غير عناء أو جهد يبذله!! ناهيك عن استغلال الأطفال في هذا الأمر!! وكثيرًا ما سمعنا عن (الشحات المليونير)، لكننا نظل نعطي المتسولين!!
ووفقا للتقديرات، يتراوح عدد المتسولين في البلاد ما بين (45 و 50) ألف متسول، ما يجعل مصر تحتل المرتبة الثانية عربيًّا بعد المغرب في أعداد المتسولين، وتأتي العاصمة القاهرة، لتتصدر محافظات الجمهورية في أعداد المتسولين حيث يبلغ عدد المتسولين بها نحو (15) ألف متسول، تليها الإسكندرية بنحو (9) آلاف متسول (المصدر: موضوع صحفي على الموقع الإلكتروني لمجلة آخر ساعة كتبه محمد نور).
ولا أدري لماذا لا تكون هناك وقفةٌ جادة من الحكومة مع هذه الظاهرة وأربابها؟! إن الدين يدعو إلى العمل لا إلى التسول، وإلى حفظ الكرامة لا إلى هدرها، وإلى العزة لا إلى الإهانة والذل.
أما الباعة الجائلون في المترو فعبارة (راضي حمادة _ راضي ميادة) التي يَحُثُّونَك بها على أن تدخل على أبنائك (بحاجة حلوة بسعر معقول) هي شعارهم الرسمي إن كانوا يبيعون لُعبًا للأطفال أو حلوى (بير سلم)!! وآفة ما يبيعونه أنه مُضِرٌّ إلى أبعد مدى، فإن كان من المأكولات فهي مجهولة المصدر والمكونات، وإن كان من المناديل فهي تُصنَّع من مُخَلَّفات المستشفيات!! وهذان (المأكولات والمناديل) أخطر ما يبيعه الباعة الجائلون!!
باعة المناديل بالذات من قافلة المتسولين الذين يُوهمون أنفسهم أنهم يعملون، مثلهم مثل الطفل الذي يجلس في الشارع أمامه أكياس مناديل ومصحف وكراسة وكتاب وقلم، ليُوهم السُّذج من الناس أنه يُذاكر ويعمل!! فلتكن مطمئنًا يا سيدي المخدوع أن هذا الطفل يكسب أكثر منك بكثير، وربما تصل ساعته _ خاصة في المناطق التي يرتادها السياح العرب _ إلى مئات الجنيهات!! فلا تبتئس لحاله فهو يأكل ويلبس ما لا تستطيع حضرتك أن تشتريه لأبنائك!!
نُقصر نحن في حق مجتمعنا حين نعطي أمثال هؤلاء بدلًا من البحث عن المحتاج الحقيقي، حين نعطي أمثال هؤلاء بدلًا من مساعدة عامل (دليڤري) أو عامل في محل مشروع، اجتهدَ في عمله ليكسب رزقًا حلالًا بجهد وعرق!! وصدق من قال: (الشحات له نص الدنيا)، لكنه (هيفضل طول عمره شحات ولو ملك الدنيا كلها)!!