Uncategorized

بسبب التغير المناخي: هل يشهد العالم العربي حركات متطرفة للدفاع عن البيئة؟

بوابة "مصر الآن" |

تمر قضية الدفاع عن البيئة بنوبات تحول حول العالم متخذة منعطفاً شعبويا في الواقعين الحقيقي والافتراضي دفاعًا عن حرمات البيئة، ومتمثلة بالكثير من مظاهر التشدد وأيديولوجياته.

ويتخذ بعض هؤلاء المدافعين مواقفَ متشنجة صارمة، وأضحوا مصدرَ قلق في الغرب، حيث خلقوا خطا دراماتيكيا في الدعوة البيئية. ومثل العصائب والكتائب، يحملون أسماء غير مألوفة من قبيل “ساعة الصفر” و”عودة القوة” و”الرمز الأحمر” و”دي جي آر” ، ولم يخجل بعضهم من اختيار “الخمير الخضر”، المستوحى من حكم الخمير الحمر الدموي في كمبوديا في سبعينيات القرن الماضي.

قبل نحو 20 عاما، تجلت إرهاصات أولى بحوادث حرق غير عقلانية في الولايات المتحدة نفذتها “جبهة تحرير الأرض” للخلاص من سيارات الدفع الرباعي بسبب كم الملوثات المنبعثة منها. وتيرة مثل هذة المواقف الانفعالية المتطرفة في ازدياد، بل وتُشن حملاتٌ بأكملها حيثما نضج الوعيُ البيئي بإفراط.

في العالم العربي، نجد المواطن قد ينجذب لألوان من التعصب، الطائفي والسياسي وحتى الرياضي، أما سيرة البيئة قلما تجد انفعالاً.

وتابع العالمُ في العامين الماضيين أشكالاً من الاحتجاج في لبنان، في ظل أزماته المتفاقمة، وعلى رأسها حادثة انفجار مرفأ بيروت في صيف 2021، لكن مع حساب الخسائر لم يركب أحد قطار التمرد الأخضر رغم وجود كثير من المحفزين ممن يدعمون البيئة الطبيعية.

جمعية “الأرض لبنان”، التي تأسست في 1995، أشارت إلى أنه قبل عام 2020 واستفحال أزمات لبنان على أكثر من صعيد تاركة المواطن مستهلكا، كانت هناك تحركات شعبية بيئية خصوصا وقت أزمة النفايات المكدسة على الطرقات. لكن بكل الأحوال بحسب مدير الجمعية بول أبي راشد، فإن المظاهرات لم تعد الملاذ الوحيد في لبنان لموضوع البيئة، فهناك من يترشحون لانتخابات المجالس البلدية، وربما النيابية، بأجندة خضراء.

ويرى أبي راشد أن ثقافة رعاية البيئة تتوسع في المجتمع اللبناني الذي “يثمن خصائص الطبيعة حوله ويريد رغم الظروف، ودون أي تأخر، صون إرثها وإن كان ذلك يتم تحت ظواهر طقس مربكة من تكرار موجات السيول، والحرارة القاسية إلى حرائق في غابات لبنان على ارتفاعات غير مسبوقة، وتلوثٍ بلا حدود مذكور بتقارير دولية”. وأوضح أن “تلك الطبيعة” كانت ضحية الحرب في لبنان وأيضا السلم الذي ازدهرت معه مشاريع الزحف العمراني المدمرة، لكنه يؤكد أن الخضر موجودون في لبنان ويتخذون مواقف وأنه لو حظى التنوع البيولوجي بنفس حيز الاهتمام بالتنوع الديني والثقافي، لحافظ لبنان على الغابات التي تكسو جباله.

أين الرئيس الأخضر؟

مع بزوغ الألفية، تفاجأت الاستخبارات الغربية التي ركزت دوما على مكافحة نزعات يمينية محلية، على غرار “الجيش الجمهوري الأيرلندي” و”حركة إيتا”، بتنظيم القاعدة المتشدد يتربص بها ويضرب من وراء البحار وصولا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.

وفي عام 2011، صدمتها النازية الجديدة التي اعتنق أفكارها أندرس بهرنغ بريفيك ونفذ هجمات النرويج. قبل العقد الحالي برز تهديدٌ جديد تمثل في تنظيم “الدولة الإسلامية”،والآن يبرز تهديد آخر متمثل في الراديكالية الخضراء.

قبل الوصول لهذة النقطة كانت هناك أشواط أخرى، ظل الاهتمام بكوكب نظيف خلالها حكرا على اليسار منذ نشأة الأحزاب المناصرة للبيئة في سبعينيات القرن الماضي بدول أوروبا الأكثر تصنيعا، في ردة فعل على تأثيرات هذا النشاط الصناعي. وقد استفادت من تراجع الثقة في قدرة الأحزاب التقليدية على خدمة القضية.

ورغم المجهود الكبير للوصول لمواقع صنع القرار والمجالس التشريعية، لم يُنتخب بعد الرئيس الأخضر.

أكثر من ثلاثة عقود على تصدر عالم ناسا، جيمس هانسن، الملقب بـ”أبو الوعي بالتغير المناخي”، عناوين الصحف بإخباره الكونغرس الأمريكي، في عام 1988، أن “الاحتباس الحراري قد بدأ”.

المناخ السياسي

والملاحظ في البيئة الحزبية العربية أن المشهد لم ينقلب لظهور أحزاب خضراء. وتجدر الإشارة إلى أن حزب الخضر التونسي للتقدم كان الأول بينها الذي حظي بتمكين بعد انتخابات 2009. لكن الملاحظ أيضا هو أن أغلب هذه الحركات تنشط كجمعيات أكثر منها كأحزاب وأن قواعدها الجماهيرية محدودة.

وأوضح حزب الخضر المصري لبي بي سي أنه تأسس عام 1990 حينما لم تكن قضية البيئة مؤثرة كما هو الوضع الحالي، ويقول الرئيس التنفيذي للحزب، خالد غوشن: “كان الحزب استبصارا غير عادي بأهمية أن تحظى مصر بحزب بمرجعية بيئية وإن لم يصادف هذا هوى لدى الجميع ونحن نعتقد أن العمل الحزبي هو القادر على تطوير السياسات البيئية المطلوبة”. وعن المشهد القائم، أشار غوشن إلى أنه “لايمكن الادعاء أنه وردي أو أن الجماهير تحملنا على الاكتاف لكننا نلمس زيادة بالوعي العام وإن كانت بطيئة”.

وأضاف غوشن أن بين المواطنين “متجاوبون ومنخرطون مع ما نروج له من معالجة المخلفات، ومكافحة السلوكيات المضرة وفعاليات التشجير. كما أفاد بأن حزبه لـ”ضعف القدرات المالية، وسيادة رأس المال فى العملية الانتخابية، لم يحظ بفرصة خوض الانتخابات” لكنه “يستخدم كل الآليات المتاحة للانتشار، مع الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المحيطة، لأن الأحزاب بنت البيئة التى تنشأ فيها”. وهو يرى أن لكل عصر قضية أساسية تستحوذ عليه، وأن البيئة فرضت نفسها.

الراديكالية الخضراء بعين حمراء

وتشير كافة المعطيات إلى أن المتطرفين الخضر صاروا موجودين بيننا على الأرض، وإن ظلوا خارج مجال رؤية بعضنا وأنهم يتحضرون وكأنما يخوضون حربهم الأخيرة.

ويعتقد هؤلاء المتشددون البيئيون أن الأمور تتداعى والمناخ يزداد سوءا والوقت سينفد، ويريدون حسما سريعا للقضية الوجودية، بدخولها مرحلة حرجة لم يعودوا ببلوغها يطيقون الانتظار. بالنسبة لكثير منهم، طال زمن الارتجال والشعارات والتعبئة غير العنيفة والتظلمات السلمية.

ويعتمدون في ذلك على نبرة شعبوية، وأحيانا تكفيرية، من منطلق أن لديهم أسباب للشقاق مع كل ما هو تقليدي ونمطي بهذا الملف، وأيضا على الغرابة كوسيلة للفت الأنظار بما يتناسب مع المخاطر.

وقد تجدهم فجأة يركضون حولك من كل الاتجاهات يحدثون فوضى أو إرباكا خاطفا ما، بهدف تخريب مظاهر المدنية ونشر الهلع والاحساس بالخطر.

ولا يغفل هؤلاء النشطاء اختيار اسم رمزي لكل عملية. ففي فرنسا، هوجمت على نحو قريب مقرات الشركات المتهمة بإعادة استخدام مبيدات النيونيكوتينويد في عملية سماها الناشطون (النحل الحي)، وتعرضت للشيء ذاته مؤخرا شركات الوقود في بريطانيا تحت وطأة الحرب الأوكرانية.

بنفس الإصرار العنيد، هاجم ألتراس البيئة الألمان مناجم الفحم. وبحكم ذلك، تحرص مجموعات الراديكالية البيئية على سرية أنشطتها ولها مدوناتُها الخاصة ودليلٌ للعصيان المدني والمظاهرات وأدبيات تحث على التخلي عن الفضيلة التي لا تجدي نفعا. ويؤكد أعضاؤها أن ما يقومون به هو من رغبة أكيدة في إجراء إصلاحي واستعدال السلوكيات على الكوكب لكنهم يتعرضون للاعتقال بأعداد متزايدة، باعتبارهم “إرهابيين إيكولوجيين”رغم أن نموذج العنف الذي ينتهجونه يخلو للآن من “المساس المتعمد بالسلامة الجسدية للأبرياء”.

وتحظر بريطانيا، على سبيل المثال، حركة “تمرد ضد الأنقراض” باعتبارها تهديداً داخليا.

ماذا ينتظرون؟

في العالم العربي، هناك أيضا وعي بدرجات متفاوتة بوجود مظهر من مظاهر الخلل المناخي. ففي العراق، الذي احتفل عام 2021 بمرور قرن على تأسيس دولته، هناك ترسانة من القوانين والكيانات الخضراء، وهناك أيضا موجات احترار يصعُب عكسُها، وعواصفَ غبار ودوائر جفاف إلى حد رؤية مجاري الأنهار عاجزة عن التدفق، بالإضافة لمعضلة تصريف القمامة والنفايات الصناعية والسيطرة على مدافنها غير المنظمة، وسماء تغذيها انبعاثات استخراج ومعالجة الوقود الأحفوري.

رغم كل ذلك، يرى طه عبدالستار صالح من فريق حملة ” العراق الأخضر” أن الهموم المعيشية هي ما يجهد البلد وأهله بالدرجة الاولى وأن معظم العراقيين يعتبرون حديث البيئة ترفا.

يعتقد صالح أن النصوص القانونية ضعيفة، لا تكافئ من يتبنى سياسات الطاقة المتجددة ويتخلى عن إدمان استعمال الوقود الأحفوري، ولا تعمل على تغليظ الضرائب على الصناعات الملوثة أو العشوائية المتسببة بالهدر المائي والزراعي.

ويشير صالح إلى ضرورة تعزيز القوانين لردع أي نشاط صناعي أو نفطي متجاوز، ويعزو الإخفاقات بشكل خاص للظرف السياسي، ويرى أن صلاح الأحوال مرهون بصلاح الطبقة السياسية. كما يعتقد أن النهوض بواقع العراق البيئي “مستحيل” إلا بوجود ما يضمن التصدي للمستفيدين من الاستخدام المسرف والمهلك للموارد وهدر البساتين لصالح بناء مجمعات سكنية، إضافة إلى الحاجة للتحول نحو تسيير النفايات والاهتمام بالمزارعين وتشكيل فريق دبلوماسي لتدويل أزمة الماء في العراق، لأنه لا يعقل ان يرتبط اسم “بلاد ما بين النهرين” بالجفاف على حد رأيه.

التغير المناخي ليس مزحة أو محض خيال ولم يبالغ المدافعون عن البيئة بالنظر لحجم التهديدات الماثلة، إلا أن المتطرفين منهم أخذوا القضية لفصل جديد بزعزعة السلم ودخلوا هم بقفص الاتهام حتى لو كانت بحوزتهم مظلمة وجودية مدعومة بحجة كونية وأبحاث بيئية.

لكن لماذا يبادر هؤلاء المتطرفون بإيذاء أنفهسم لرد الاعتبار للبيئة، بينما هناك شرائح لاتقبل الخروج من منطقة الراحة رغم أن الجميع، إلى حد ما، تعدى على الكوكب الذي نعيش فيه والذي يظل المأوى الوحيد لعدم العثور على الكوكب الشبيه الذي بحث العلماء عنه عشرات السنين؟

فهناك بين الراديكاليين البيئيين من يقدمون على غرار الإنتحاريين على التضحية بالنفس، وقد فارق الناشط المناخي وين آلان بروس الحياة بعدما أضرم النار في نفسه في يوم الأرض، في نيسان/ أبريل 2022، أمام مقر المحكمة العليا الأمريكية.

يقول الصحفي المصري محسن حسني، الذي ينشط كرئيس لجمعية بيئية، لبي بي سي هناك من تهيج حشاهم ذنبا وخوفا لكننا نصادف أيضا من يجدون صعوبة في اعتبار الأرض بيتهم، برغم موجات الاحترار التي تقتل الآف الناس سنويا وحرائق الغابات، التي تابعناها في الجزائر في صيف 2022، والفيضانات وظواهر شاذة أخرى. وهناك من يتملص من المسؤولية ويريد تركها للمسؤولين.

ويضيف حسني: “قبل نحو ثلاث سنوات كنت مثلهم داخل فقاعة المشاغل الأخرى لا انشغل بالبيئة سوى كخبر، حتى مشاهدتي فيلما تسجيليا للعالم البريطاني وخبير البيئة الشهير ديفيد اتينبرو وحدث التغيير وحصلت بعدها على دبلوم في تأثير تغير المناخ على الصحة من بريطانيا، التي أطلقت منها العام الماضي منظمة ‘لندن غرين بريدج ‘ البحثية لتبادل ونقل الأفكار والخبرات البيئية، بين الغرب والشرق الذي جئت منه على وجه الخصوص”.

ويعتبر حسني العمل البيئي كـ”الفريضة” لأن الإنسان، برأيه، مطالب بالحفاظ على استقرار الكوكب “الذي هيأه الله له”. وعن أفكار التطرف البيئي يرى حسني أنها ليست حكرا على صنف من البشر وأنه رغم وجود ما يعوق آفاقها في الشرق الأوسط وأنها تبدو غريبة عن روح مجتمعاته، إلا أنه لا يستبعد أن تتغلغل في المنطقة إذا تسببت الكوارث البيئية بفقدان المأوى والجفاف وندرة الماء ونقص الغذاء.

وحتى لا نصل لهذة المرحلة أ ويضيع الرصيد المتبقي من الكوكب، يتعين، وفقا لحسني، إدماج الجميع والاهتمام بـ”مطاردة المقاومين” بكل المواقع، لخلق صحوة ووازع بيئي، ونفض أي مسلمات أو موروثات متراكمة لافتا إلى أن تحديات التمويل وغياب الأنظمة المدنية والانتخابية العادلة تبقى حجر عثرة.

هل لنا أن نقلق؟

بعد الحرب في أوكرانيا، نكثت حكومات، في ظل أعبائها، بتعهداتها نحو الحياد الكربوني بحلول 2030 كي لا تفقد البيئة مزيدا من توازنها. ويُنظر لهذا المسار على أنه الوحيد القادر على تخفيف آثار الاحتباس الحراري.

وبناء على التوقعات، فإذا استمرت الأنشطة المغيرة للمناخ في المناطق المأهولة بنفس الوتيرة، فستصبح بنهاية القرن بقاعٌ كثيرة من العالم غير صالحة للسكن.

ولا يؤمن كثير من مناصري البيئة باتفاقية باريس للمناخ، التي احتفت بها الحكومات في 2015، أو بقدرتها على تصحيح ما فات، ويظل يراودهم الإحساس بأنه ينبغي فعلُ شيئ ما بسرعة.

زر الذهاب إلى الأعلى