مقالات الرأى

محمد أمين المصرى يكتب: مائير ترفض تحذير ” النورس “

خلقت حرب أكتوبر المجيدة الألم والصدمة في إسرائيل وساد الشعور بالضياع والوهن ، وطالبت لجنة “آجرانات ” التى تشكلت للتحقيق فى الكارثة ، بإقصاء المسئولين عن نتائج الحرب وخاصة جولدا مائير وموشيه ديان. واتضح للإسرائيليين أنه لا يمكن الاعتماد بشكل أعمى على القيادة، وأن طاعتهم العمياء جزء من الخطيئة التى سبقت حرب 73.

وتعرضت مائير وديان لانتقادات كثيرة، أولها أن غرورهما أصابهما بالعمى وعدم القدرة على قراءة المستجدات على الساحة المصرية سياسيا وعسكريا، فهما مثلا لم يلتفتا لقصة “النورس” للكاتب الإسرائيلى آريه لوبا إلياب، الذى لم يكن يتخيل أن أحداث قصته القصيرة التى كتبها عام 1972 ستتحقق وأن رسالته عبر تطورات ” النورس ” ستجر على القيادة الإسرائيلية المتاعب أو لنقل المآسي.

تمزج القصة الخيال بالواقع وكان البحر هو الرابط بينهما، وتدور حول سفينة تجري في البحر: “..الرٌبان والقباطنة سكارى من خمر مجدهم ، مأخوذين بخيلاء كبرهم وواثقين بأنفسهم وقدراتهم.. ويحوم نورس حاد النظر فوق السفينة، ويغوص بين الفينة والأخرى ويرى ما يجري داخل السفينة، ويشاهد في الأفق البعيد سورا من الصخور المهيبة المسننة.. ولكن القابض على مقود السفينة لا يرى سوى أمتار أمامه.

النورس يعرف ذلك، ويريد أن يحذر الرٌبان: “استقيظوا من خمركم، اجمعوا مجاديفكم, وأرفعوا أشرعتكم، وغيروا الاتجاه ، دعوا الرياح تقودكم الى شاطئ الأمان .”وأحضر إلياب مسودة القصة الى صحيفة “دفار” في 15 سبتمبر 1973 ولكنها رفضت نشرها. فألح على مجلس تحريرها: هؤلاء القباطنة هم الحكومة، ولكن الصحيفة أصرت على رفضها. كان ذلك. وبعد ذلك بثلاثة أسابيع اندلعت حرب أكتوبر أو ” يوم ا لغفران” و”كيبور” إسرائيليا، وتمكن إلياب من نشر القصة واعتبرها وثيقة تحذير لقادته ولكنهم لم يستمعوا إليه.

رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم حزب العمل السابق إيهود باراك قرأ قصة ” النورس” وشبه القيادة السياسية الإسرائيلية عشية حرب أكتوبر بالقباطنة الذين تفرغوا لصيد السمك بطمأنينة وتعاموا عن جبل الجليد الضخم المقترب منهم. ويعتقد باراك أن جولدا مائير ومن حولها في قيادة إسرائيل أصابهم العمى والغرور الذي قادهم نحو الكارثة حسب رأيه. فهم اعتقدوا أن القوة العسكرية الإسرائيلية والعمق الإستراتيجي كافيين لضمان أمن وسلامة إسرائيل.

أكتوبر باق أبد الدهر..والحديث مستمر.

نقلاً عن الأهرام

زر الذهاب إلى الأعلى