د.أمانى فاروق تكتب: «أنا بين صورتين … حين علمتني الذكريات أن الله لا يخذل القلوب»

في لحظة هادئة تشبه الاستراحة بين فصلين من رواية طويلة، وجدتني أقف أمام ذكريات قديمة تستيقظ على شاشة هاتفي المحمول. صور ومنشورات قديمة كانت تظهر لي كأنها نافذة صغيرة على نفسي الماضية… تلك النسخة التي عاشت الكثير، وتساءلت كثيرًا، لكنها رغم كل شيء لم تفقد بوصلة التفاؤل التي كانت تنبض بداخلها دائمًا.
كنت أتأمل ذكرياتي “memories” علي فيسبوك، فأشعر أنني أقرأ صفحة من كتاب أعرفه جيدًا. أرى نفسي كما كنت: امرأة تمضي في طريقها بثبات، تملك ثقة هادئة بالله، وتؤمن بأن الفرج أقرب مما نظن، حتى في اللحظات التي تختبر فيها الحياة صبرنا. لم أكن أبحث عن سند أو يد بشرية تُمسكني، بل كنت أبحث عن الرفقة التي تشبه روحي، عن الأرواح التي تتقاطع مع طريقي لتضيف إليه نورًا… بينما كان يقيني بالله هو السند الحقيقي الذي لا ولن يتغيّر.
وكلما انتقلت بين ذكرى وأخرى، رأيت أن كل ما مررت به كان يصنع طبقات جديدة من القوة بداخلي، وأن لحظات الشك لم تكن سوى غبارٍ خفيف فوق قلبٍ عامر بالإيمان والرضا. كنت أظن أحيانًا أن الطريق يضيق، لكنني في أعماقي كنت أسمع ذلك الصوت الذي يهمس لي: “تماسكي… فالله يُدبّر.” ولهذا، لم يكن التشاؤم يومًا سيّد المشهد، بل كانت غلبة التفاؤل هي التي تدفعني للاستمرار، حتى عندما تبدو الأشياء غير واضحة.
واليوم، وأنا أنظر إلى تلك الذكريات، أبتسم. أبتسم لأنني أرى نفسي الماضية بكل صدقها، وأدرك أنها كانت تمهد الطريق للمرأة التي أصبحتها الآن. تلك النسخة القديمة لم تكن ضعيفة، بل كانت في طور الخَلق… كانت تتشكل على مهل، وتتقوّى بمعارك صغيرة وتنضج بصبر طويل، وتقترب يومًا بعد يوم من الصورة التي أرادها الله لها.
لقد تغيرتُ، نعم… لكن التغيير لم يكن انقلابًا بقدر ما كان نضجًا. أصبحتُ أكثر هدوءًا، أكثر وعيًا، أكثر شجاعة، ولكن بقي الجذر نفسه: جذر الثقة بالله الذي لم يتزحزح مهما تقلبت الفصول. اليوم أرى المشهد كاملًا… وأفهم أن كل خطوة كانت محسوبة بدقة، وكل تأخير كان لحكمة، وكل منع كان حماية، وكل انتظار كان بابًا لنهاية أجمل من كل توقعاتي.
أعود اليوم إلى الكتابة… لا هروبًا، ولا بحثًا عن صوت، بل عودة إلى ذاتي الحقيقية. أعود وفي قلبي سلام جديد، وشغف مختلف، وإيمان ثابت بأن القادم أجمل — ليس لأن الطريق بلا عثرات، بل لأن الله هو الذي يكتب الطريق.
وما أجمل أن أنظر الآن إلى تلك المنشورات القديمة فأضحك… ضحكة خفيفة تمتلئ بالتقدير لا بالسخرية. ضحكة تقول لنفسي الماضية: “أحسنتِ… لقد كنتِ قوية دون أن تشعري.” ضحكة تُشبه فتح نافذة على ضوء جديد، وتُشبه بداية صفحة أصفى وأصدق.
اليوم…
أنا امرأة صاغتها التجارب، وصقلها الإيمان، ورفعها التفاؤل، وأعاد الله تشكيلها لتكون أكثر استعدادًا لما هو قادم.
وأكتب الآن لأعلن عودتي… عودة امرأة لم تعد تشبه ما كانت، لكنها تحمل بين يديها ما تعلّمته في الطريق، وتمضي بثقة امرأة تعرف جيدًا أن الله لا يخذل قلبًا أحسن الظن به يومًا.
——
مدير مركز التدريب والتطوير بمدينة الإنتاج الإعلامى










