مقالات الرأى

السيد خلاف يكتب : لقاء نتنياهو والسيسي

0:00

ماذا يريد نتنياهو من السيسي؟ وما الذي دبرته واشنطن في اجتماع نيويورك السري؟
يبدو أن الشرق الأوسط يعيش واحدة من أكثر لحظاته تعقيدًا منذ حرب أكتوبر، لكن الفارق هذه المرة أن الصراعات تُدار خلف الأبواب المغلقة، وأن الضغوط تتجاوز حدود الميدان إلى غرف العمليات السياسية والاستخباراتية.
وفي قلب هذه المعادلة تقف مصر، ليست دولة عابرة في مشهد غزة، بل هي مفتاح المرحلة الثانية، والرقم الذي لا يمكن تجاوزه مهما تعددت الوساطات أو تبدلت خرائط النفوذ.

● أولًا: ما جرى فعلًا في نيويورك؟ اجتماع “المرحلة الثانية” الذي لم يُعلن
اللقاء الثلاثي الذي ضم: وزير الخارجية الأمريكي مارك روبيو، وزير الخارجية الإسرائيلي، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري.

لم يكن مجرد نقاش حول هدنة أو تبادل أسرى -وفق مصادر دبلوماسية حضرت مشاورات موازية- فقد كان الهدف الحقيقي هو اتفاق أمريكي- قطري -إسرائيلي لتطويق الدور المصري أو على الأقل انتزاع أجزاء منه، خاصة في ملف الترتيبات الأمنية والإدارية لمرحلة ما بعد الحرب.

واشنطن كانت تريد اختبار مدى قدرة قطر على لعب دور بديل أو موازٍ للدور المصري، خصوصًا بعد التوتر الصامت بين القاهرة وتل أبيب خلال الأسابيع الأخيرة ، لكن ما اكتشفه الجميع في الاجتماع هو استحالة القفز فوق مصر، صحيح قطر تمتلك المال والنفوذ داخل غزة، لكن لا تمتلك الجغرافيا ولا الشرعية الإقليمية.

وإسرائيل تمتلك القوة، لكنها لا تستطيع التحرك دون ضمانات مصرية، أما أمريكا، فهي تبحث عن “إنجاز سياسي” لكنها تدرك أن القاهرة هي البوابة الوحيدة لأي اتفاق طويل الأمد.

● ثانيًا: لماذا طلب نتنياهو لقاء السيسي؟ وما الذي يريده بالضبط ؟
بناء على تسريبات من داخل مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، فقد حمل الوفد الاستخباراتي القادم إلى القاهرة، بقيادة رئيس الموساد الجديد ديفيد زيني، طلبًا مباشرًا: ترتيب لقاء بين نتنياهو والرئيس السيسي “في أسرع وقت ممكن”.

لكن ما الذي يحتاجه نتنياهو؟..على الأغلب يريد حسم ثلاثة ملفات رئيسية:
1- شرعية دولية للمرحلة الثانية، كون
نتنياهو يدرك أن الداخل الإسرائيلي يغلي، والعالم يضغط، وترامب لو عاد للبيت الأبيض يطالبه بصفقة سياسية سريعة تتضمن تهدئة ، ولا توجد دولة تمنح “غطاء شرعي” لنتنياهو سوى مصر.

2- ضمانات حول الأمن على الحدود ،
الكل في إسرائيل يعرف أن القطاع لا يمكن ضبطه دون مصر، وأن أي ترتيبات على الحدود الشرقية لرفح لن تكون واقعية دون تنسيق مع المخابرات المصرية.

3- صفقة غاز كبرى مقابل التهدئة انطلاقا من أن إسرائيل تريد إحياء مشروع ضخم لضخ الغاز إلى مصر وتوسيعه، كجزء من صفقة سياسية- اقتصادية تضمن تبريد الجبهة مع القاهرة، لكن المفاجأة أن مصر لم تُظهر أي حماس لهذا اللقاء.

● ثالثًا: لماذا رفض السيسي لقاء نتنياهو؟ والاجابة أن هناك شروط مصرية غير معلنة ، وما لم يُكتب في الصحافة، وفق مصادر عربية، هو أن القاهرة وضعت خمسة شروط قبل أي لقاء:
1- وقف كامل لإجراءات تهجير سكان غزة – بما يشمل التعهد المكتوب.
2- إعادة تشغيل معبر رفح بإدارة فلسطينية-مصرية كاملة دون تدخل إسرائيلي.
3-بدء تنفيذ صفقة الغاز المؤجلة منذ عامين بضمانات أمريكية، وليس إسرائيلية فقط.
4-التزام إسرائيل بخريطة طريق سياسية تؤدي إلى “سلطة فلسطينية موحدة” وليس كيانات متفرقة.
5-وقف الحملات الإعلامية الإسرائيلية التي تستهدف القاهرة ويتهمها بعرقلة المفاوضات.
القيادة المصرية أرادت أن تقول لنتنياهو: “لن يكون هناك لقاء مجاني، ولن نُستخدم كصورة سياسية لإنقاذك”

● رابعًا: الدور الأمريكي الخفي… واشنطن تشد الخيط من الطرفين ،
الولايات المتحدة تلعب “اللعبة الثلاثية”:
تضغط على إسرائيل، تُغري قطر بدور أكبر، وتطمئن مصر بأنها الشريك الأساسي، لكن الحقيقة أن واشنطن تستغل الخلاف المصري-الإسرائيلي للضغط على الطرفين:
تضغط على مصر للموافقة على ترتيبات أمنية جديدة في رفح.
وعلى إسرائيل للقبول بمرحلة سياسية جديدة، خصوصًا بعد مكالمة ترامب التي هدأت نبرة نتنياهو.

مصادر دبلوماسية في نيويورك أكدت أن واشنطن تخشى انفجار الخلاف المصري-الإسرائيلي لأنه سيؤدي إلى:
تعطيل المرحلة الثانية،وتأخير الشراكة الأمنية في شرق المتوسط، وإضعاف التحالف الأمريكي في المنطقة، ولذلك كان الضغط الأمريكي هذا الأسبوع غير مسبوق.

● خامسًا: لماذا تبدو إسرائيل “مُجبرة” على القبول بالمرحلة الثانية؟
لأن إسرائيل تمرّ بأربع أزمات متزامنة:
-انهيار اقتصادي غير مسبوق منذ 2000.
– وتآكل الجبهة الداخلية و انفجار الاحتجاجات.
– و ضغط أمريكي مباشر لاستكمال الصفقة.
– فشل عسكري في القضاء على حماس رغم مرور عام كامل من الحرب.
وهذه الأزمات تجعل تل أبيب “تتظاهر بالقوة”، لكنها في الحقيقة هي التي تسابق الوقت، وليس غزة.

● سادسًا: مكاسب مصر… وكيف استعادت القاهرة موقعها الإقليمي؟
سواء تم اللقاء أو لم يتم، تبقى مصر أكبر الرابحين للأسباب التالية:
1- السيطرة على مفاتيح المرحلة الثانية ، لا هدنة ولا إعادة إعمار، ولا ترتيبات أمنية دون توقيع مصري.
2-عودة الثقل السياسي الإقليمي،
القاهرة أصبحت نقطة توازن بين
قطر، تركيا،أمريكا، وإسرائيل.
3- مكاسب اقتصادية ضخمة مع استقرار الحدود التي تؤدي الي
عودة السياحة،وانتعاش قناة السويس إلى طاقتها الكاملة،وتشغيل مشاريع الطاقة والغاز المشتركة.
4- تحالفات جديدة حيث تحول خصوم الأمس (قطر وتركيا) إلى شركاء، يُعيد رسم الخريطة الإقليمية بميزان جديد.

خلاصة استراتيجية :
ما يجري الآن ليس مجرد مفاوضات حول غزة، بل صراع على من يمسك بمفتاح الشرق الأوسط الجديد ،إسرائيل تريد مصر، أمريكا تحتاج مصر، وقطر تسعى لدور بجانب مصر.
لكن القاهرة اختارت أن تبقى صاحبة القرار النهائي، وأن تُدير الملف من موقع القوة لا من موقع الاستجابة للضغوط .

زر الذهاب إلى الأعلى