د. فيان فاروق تكتب: المتحف المصري الكبير.. انعطافة تاريخية مهولة نحو المجد

قبل الحديث عن المشهد المذهل والعروض الأسطورية المقدمة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، بوصفه الإذن ببداية مرحلة تاريخية جديدة. لذلك لا بد من ذكر البدايات الأولى للمصريين بشأن اهتمامهم بالآثار الفرعونية بوصفها هوية حضارية ومرجعية وطنية، ورمزًا لأمة تعلو على الهويات الفرعية، بدأت هذه الرحلة منذ زمن الخديوي إسماعيل في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر، حيث رعاية علم المصريات ودعم أعمال الاكتشاف والتنقيب، والاهتمام ببناء البنى التحتية للسياحة وبناء دار الأوبرا الخديوية…
ثم لعب الإعلاميون والمثقفون والكتاب والفنانون في السينما المصرية وعلماء الآثار دوراً كبيراً في الارتباط بالعمق الحضاري المصري، والتذكير المستمر أنهم أبناء حضارة عظيمة، تذكرهم بأمجاد الأسلاف. بوصفهم امتدادًا لتلك الحضارة التليدة، وأن الإنسان المصري مؤهل لبناء مجد جديد. فمن يراقب المشهد الإعلامي والثقافي والاجتماعي المصري في السنوات الأخيرة يدرك أن ما يحدث يتجاوز السلوك التقليدي للناس، نحو أنشطة لإحياء الوعي الحضاري. ويشعر أن ثمة تحولًا في ارتفاع منسوب الوعي بشأن الاعتزاز والفخر بحضارتهم، ولا أدل على ذلك من ترقب المجتمع المصري وعلى اختلاف مستويات وعيهم المعرفي والثقافي وتصنيفهم الاجتماعي بشغف كبير وفخر وفرح غامر بافتتاح المتحف المصري الكبير، الحدث الثقافي الأبرز في العام 2025، الذي أحدث ضجة إعلامية عالمية، وجذب أنظار العالم بتجاوز مشاهداته الملياري مشاهدة لعروض الافتتاح، حيث التاريخ مازال يتحدث بلغة الحاضر. فعن طريق هذا الربط بين الفن والتاريخ والتكنولوجيا، تحول الإرث الفرعوني إلى تجربة معاصرة تُخاطب الإنسان أينما كان، وتؤكد أن عبقرية المصري القديم  ماتزال قادرة على إلهام العالم الحديث.
فلم يكن المشهد محض افتتاح متحف جديد، بل إعلانًا رمزيًا عن انتقالة حضارية حديثة هائلة، فعظمة المتحف تتمظهر عبر عدة معطيات منها مساحته التي بلغت نصف مليون متر مربع، مع عرض مئة ألف قطعة أثرية، كما فخامة الصرح العمراني هندسيًا وجماليًا، تثير الدهشة والفخر فضلًا عن حرفية عرض الآثار عبر الفضاءات الواسعة للقاعات أضفت الهيبة. إلى جانب العروض الفنية التي احتاجت إلى جيش من الفنيين والمهندسين والكوادر الحرفية وغيرهم الذين ساعدوا في أن تخرج العروض الموسيقية بأبهى صورة، لتقدم للعالم عبر لغة الموسيقى عظمة تاريخ مصر وتظهر في الوقت نفسه انتماء الإنسان المصري للعالم المتحضر عبر الخطاب الذي تبناه العرض وأكد عليه هو إشاعة السلام في العالم، كما قدمت السوبرانو العالمية شيرين أحمد وفاطمة سعيد عروضاً فنية عالمية ادهشت العالم واستحوذت على منصات التواصل الاجتماعي فضلًا عن أداء المايسترو ناير ناجي التي قادت فرقة الأوركسترا التي شارك فيها زهاء 120 موسيقيًا من 79 دولة! فما يتضح من دلالات عن هذا الأمر أن هناك دولة تعي مسؤوليتها التاريخية والحضارية، فسخرت ممكناتها بشكل مدروس بدقة لتسويق الحضارة المصرية، يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعبر هذا الحدث أظهر أنه لا يقود حكومة فحسب، بل يقود رؤية حضارية تُعيد لمصر مكانتها وهيبتها الدولية.
اللافت في هذا المشروع أنه لم يكن منجزًا أثريًا فقط، بل بيانًا وطنيًا عن هوية مصر الجديدة؛ دولة تنظر إلى ماضيها بعين المستقبل، وإلى مستقبلها بعين الثقة.
فعن طريق هذا الصرح العظيم، ثمة رسالة كبيرة أطلقها الحدث أن مصر دولة تستحق مكانة حضارية وإنسانية وثقافية تضعها ضمن الدول المتقدمة في العالم.
هنيئًا للشعب المصري بهذا المعطى الحضاري والثقافي الذي يبشر بمستقبل واعد وعظيم.
د. فيان فاروق ـ أستاذة جامعية _ أربيل










