راندا الهادي تكتب: لسنا كبارًا…

دوما كانت كتابات عبد الوهاب مطاوع تأسرني ، بدءً من ردوده على أصحاب الرسائل في بريد الجمعة ، والذي كنا ننتظره كل أسبوع ، وانتهاءً بمقالاته وكتبه ، التي مازالت تحتل مكانا مميزًا في مكتبتي المتواضعة ، كنت اتعجب دوما من قدرته وتفرده على الرد بسلاسة ومنطقية مهما كانت المشاكل المرسلة له عميقة ومعقدة ، رغم أنه لم يجلس مع أطراف المشكلة ؛ ليتقصّي جوانبها وخلفياتها الخفية واكتفى بسطور على ورقة .
وما كان غريبا في بريد الجمعة أنك قطعا ولا محالة ستقابل قصة تشبه حياتك ، وردًا تشعر وكأنه موجه لك أنت بالتحديد ، وكأنه رسالة سماوية ، وفي هذا المقال أردت مشاركتكم أحد ردود عبد الوهاب مطاوع البليغة ، عندما كتب : ( ليس هناك أشخاص كبار ! نعم.. ليس هناك أشخاص كبار لأن الكل صغار أمام مشاكلهم وأمام الألم والوحدة وافتقاد التقدير، العطف والإطمئنان، وأمام الخوف من المجهول، ومن المرض ومن فقدان الرفيق والنصير ، من تساقط أوراق العمر ومن ضياع الشباب وضياع بهجة العمر ، ومن عشرات المخاوف والهواجس.. نحن صغار أمام الهموم والأحزان حتى لكأني أصدق في بعض الأحيان رغم تفاؤلي الدائم، ما قالته إحدى شخصيات المفكر ” مالرو ” في أحد أعماله: ما الإنسان؟ إنه ليس سوى كومة بائسة من الأسرار ) .
لهذا الحد انتهى الاقتباس وانتهى تفسير عبد الوهاب مطاوع لهشاشة الإنسان مهما بلغ من العمر والخبرة والتجارب ، ورغم ما مرّ به من تحديات وأزمات ، نظل صغارًا أمام الألم أيا كان مصدره ، أمام الحاجة أيًا كان منبعها ، نهرع دومًا إلى الدعم والسند مهما بلغت بساطته ، بدءً من كلمة ( معلش) حتى أعلى درجات المروءة والجدعنة .
ومن هنا كان أصعب وأقسى ألم على النفس البشرية الخذلان ، خاصة إذا أتاك هذا الخذلان من مأمنك ، أي من الشخص الذي كنت تعده حصنك الحصين ، وسندك في هذه الدنيا ، وكما قال أدهم الشرقاوي في كتابه إلى المنكسرة قلوبهم ” أكثر الأشياء مرارة في هذه العالم ليس الحنظل كما يقول بعضهم ، وليس العلقم كما يقول البعض الآخر ، أكثر الأشياء مرارة هو الخذلان ! ، أن تُصفع باليد التي كنت تقبِّلها، وأن تركل بالقدم التي كنت تخشى أن تمسها شوكة . الفتيلة التي ضمتها الشمعة طويلًا ، هي التي أحرقتها! لذا أوجع احتراق هو الذي يأتيك ممن كنت تضمه “.
لذا اعتقد أن الرسالة التي أراد صاحب القلم الرحيم إيصالها لنا ، ألا نتخاذل عن مساندة بعضنا البعض – خاصة في تلك الأيام الصعبة – ولا نستهين بأثر تلك المساندة ، لعل ابتسامك في وجه غريب تبعث فيه الأمل ليحيا من جديد .










