مقالات الرأى
راندا الهادي تكتب: عاوز استقيل .

0:00
الاستقالة كلمة ثقيلة على قلب أي موظف يعمل في القطاع العام أو الخاص ، يجب أن تسبقها الكثير من الاعتبارات والحسابات للإقدام على النطق بها وتحولها من فكرة إلى ورقة تنتظر الإمضاء من أولي الأمر ، وما يحيرني في قضية الإقدام على الاستقالة ليس القرار وإنما استمرار ارتباط المواطن في بلادنا بتراب الميري والأمان المزعوم الذي يوفره . فالمنطق لا يحتمل هذه المثابرة من أرباب الوظائف على إهانات وسخافات عقليات محدودة التفكير لمجرد ضمان وظيفة ذات تأمين إجتماعي ومعاش لا يكفيان في الحقيقة الكفاف من العيش وسط الظروف الإقتصادية الصعبة ، والخوف الغير مبرر من المخاطرة في مجال العمل الحر ، رغم كشف التجارب عن النجاحات التي حققها أرباب ريادة الأعمال في كل التخصصات . هل مازلنا حبيسي مقولة أجدادنا : ” إذا فاتك الميري اتمرغ في ترابه” ؟ هل مازالت عقدة القطاع العام تسيطر على عقولنا خوفًا من تحديات العمل الحر ؟ هل نعاني من انعدام الثقة في قدرتنا على النجاح بعيدًا عن حظيرة الدولة وهيكلها الوظيفي ؟! ، أسئلة كثيرة لها نفس الإجابة وهي : نعم ، مازلنا . وضع علماء النفس والإجتماع عدة أسباب لترك العمل وتقدبم الاستقالة ، سأذكر أهمها هنا : = أن يخالف العمل قيمك ومبادئك الأصيلة . = أن يسبب العمل لك مصدرًا للتوتر والضغط . = يؤثر بالسلب على صحتك البدنية والنفسية . = المقابل المادي للعمل غير عادل . = المعاناة مع إدارة سامة ، وبيئة عمل غير إبداعية. = وصولك إلى سقف التعلم ، بأن يمر اثنا عشر شهرًا بدون إضافة جديد إلى خبراتك العملية والمعرفية . = وجود بديل أفضل . أتعلمون ما الذي يدعو إلى المرارة ، أن غالبية العناصر السابقة تتوافر بوضوح في التراب الميري ، بل تعتبر من أعمدته في عدد لا بأس به من مؤسسات الدولة ، ورغم ذلك يختار المواطن الموظف طريق السلامة والرضا بالحال ، وتذييل مآسيه في وظيفته بمقولة : اللي نعرفه أحسن م اللي متعرفوش ، وإحنا أحسن من ناس كتير . وحتى لا يتسرع البعض ويرى في طرحي لقضية الاستقالة سخطًا وعدم رضا وكفرًا بأنعُم الله ، دعوني هنا أذكركم بقول الله عز وچل في الذكر الحكيم : ( فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ) الآية رقم ١٥ سورة الملك ، وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما قال : التاجر الأمين مع الكرام البررة يوم القيامة. الله لا يقبل الفقر والمهانة لعبادة بل يحثهم دوما على السعي وطرق أبواب الرزق بعزة وإباء ، فالرزق بيد الله وحده . ويكفي ما مضى من العمر تحت نير التراب الميري خاصة مع توافر أكثر من سبب لتقديم الاستقالة ، وكما أن أول الغيث قطرة ، يحدث أن يكون أول الفرج والحياة الرغدة أن تكشف عن مكنون صدرك وتقطع حبل الصبر العقيم بإعلانها : عاوز استقيل .