مقالات الرأى
راندا الهادي تكتب: ديون لن تُرد .

0:00
الدين همٌ بالليل وذلٌ بالنهار .. حكمة تركها لنا السابقون كجرس إنذار ، يوقظ الغفلى ويذكرهم بثقل الدين وهمه على النفس ، حتى يرد الجميع عن التفكير في الاستدانة ، أما وإن كان لا محالة ، فالرسالة ضرورة سداد الدين وتقديم ذلك على ضروريات الحياة . ورغم ما أسمعه من عجائب القصص في تلاعب البعض في سداد ديونهم ، بل والتبجح على صاحب الحق من باب : لماذا هذا الإلحاح ؟! ، ورغم إنقلاب الآيات- كما كانت تقول والدتي – ليصبح المستدين فارغ العين ، حاد الردود ، والمدين أوصاحب الدين طارقًا للأبواب لاستعادة حقه ، يظل الدين أول الحقوق التي لا تسقط بالوفاة ، بل و يذهب مع صاحبه لباب قبره حتى يُقضى عنه ليستريح . لكن ما رأيك في دين لا يُقضى ! لا يُرد ! . دينٌ مهما بذلت من سعيٍ في الدنيا لن يسعك تعويض صاحبه وسداد حقه عليك ، ما أقساه من دين ! من هذه الديون : ابتسامةٌ من عابر طريق تنير يومك ، يدٌ تمتد لمساعدتك على حمل أغراضك أو دفع أذى عنك أو الربط على كتفك في وقت أزمة ، صوتٌ دافع عنك في وقت التخلي ممن حولك ، قلمٌ كتب في حقك شهادة أنت في أمس الحاجة إليها ، قدمٌ سعت لراحتك وقضاء حاجتك في غير مصلحة ، قلبٌ أحبك بصدق وقدمك على من حوله وخصك بالدعاء ، إنسان لم يتخلى عنك وآمن بقدرتك ومنحك الأمل لتكمل الطريق ، رفيقٌ مسح دمعك وفتح صدره ليضمك وينير عتمة أحزانك الثقيلات . كل هذه وأكثر ديون لا تُرد ، ديون لا يقضيها عنك إلا رب العالمين ، فهو وحده من يملك مكافئة صاحب الدين على جهده وما بذله لك ، ولكن عد إلى ما سردته عن الديون صعبة السداد وتأمله قليلًا ، هل هناك شخص واحد اجتمعت عنده كل هذه الديون ، شخص واحد قدم لي كل هذه العطايا والمنح التي لا ترد ؟ إنهم والديك ، أبوك وأمك ، هذان الشخصان الذين أعطيا ولم ينتظرا السداد والمقابل ، كانا الابتسامة واليد والصوت والقلم والقدم والقلب الذي قدم لك ولم يأخذ شيئًا ، أفنى حياته في السعي والجهد والعطاء لتسعد في حياتك ، أليسوا أحق الناس بالخجل والانكسار في حضرتهم ؟! أليسوا أحق الناس بالحب والامتنان والاحترام؟! أليسوا أحق العالمين بمودتك وسؤالك؟! هذه ديون من المستحيل سدادها ، هذه ديون من المعاصي نكرانها ، هذه ديون ستسأل عنها ولكن عند رب العالمين .