راندا الهادي تكتب : اللي ذاكر ذاكر

مقولة أيقونية دوما كانت تتردد في كل البيوت المصرية قبل موسم الإمتحانات ، للإشارة إلى أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان ، وللإنذار بالعاقبة السيئة لترك المذاكرة والانشغال باللعب واللهو طوال العام ، هذه المقولة رغم حميميتها وارتباطها بالأسرة المصرية واستراتيجية تربية الأبناء ، أسمعها بوضوح داخل عقلي كلما شاهدت صراعًا مسلحًا إسرائيل تكون طرفًا فيه .
دولة الاحتلال الصهيوني تعلمت الدرس جيدًا وذاكرت ( واشتغلت على نفسها ) كما نقول في اللهجة الدارجة ، فمنذ عام ١٩٧٣ عندما وقعت في الفخ الذي نصبته لها القيادة العسكرية المصرية آنذاك ، وأصابها عنصر المفاجأة في مقتل ، دفعها ذلك إلى إعادة تقييم استراتجيتها العسكرية ، وعدم التهاون بقوة الضربة الاستباقية وتأثيرها العميق في هزيمة العدو وإخلال توازنه مهما كان ثقله ، والضربات الاستباقية الناجحة لا تكون إلا بعمل استخباراتي رفيع المستوى ، ليس وليد الليلة بل نتاج سنوات طوال تضمن التسلل إلى المستويات العليا في القيادة لدى العدو ، وزرع عناصرها وتطويع كل التقنيات الحديثة لخدمة هذا الجهد ، حتى إذا ما جاءت ساعة الصفر انقضت على فريستها من الداخل ودمرتها هيكليًا فلا تقوم لها قائمة .
هذا ما حدث مع حزب الله اللبناني وما يحدث الآن مع إيران ، ليثبت لنا الاحتلال الصهيوني أن الحرب تبدلت معايير النصر فيها ، فماعاد الوقت والصمود عاملان مؤثران في ترجيح كفة المنتصرين وإنما الاختراق الأمني وتصفية الأهداف بسرعة ودقة يأتيان في المقام الأول .
ورغم الدعم اللا محدود من الجانب الأمريكي للكيان الصهيوني أو الصمت الدولي المخزي لممارساته اللاإنسانية ، هناك أمر شديد الوضوح يجب الإشارة إليه ، وهو الاختلاف البيّن في طبيعة التعامل العسكري الإسرائيلي في غزة عن لبنان وإيران . في غزة يبيد الصهاينة شعب من الوجود ، أما في لبنان وإيران الهدف هو تدمير مراكز القوة وفرض شروط ، في غزة الخسائر الأكبر في البشر والأرواح ، وفي غيرها قيادات محددة ومراكز قوة .
إسرائيل نجحت في مفاجأتنا ولكن لن تفرح طويلًا ، الغلبة لمن ذاكر ، وقد ذاكرت جيدًا بلاشك ، غير أن الامتحان الحقيقي لم يحن وقته بعد ، لنسوء وجوهكم وندخل المسجد كما دخلناه أول مرة .