د.فتحي حسين يكتب: التفاهة على الشاشات.. حين يتحوّل الإعلام إلى صندوق زينة فارغ!

في الوقت الذي يقف فيه المواطن المصري في طابور العذاب، حاملاً فوق كتفيه عبء الأسعار التي تقفز كل يوم كما لو كانت في أولمبياد الفساد والاحتكار، تطل علينا شاشات الإعلام المصري، لا لتواسيه، ولا لتحلل أزماته، بل لتصب عليه جرعة مركّزة من التفاهة المنقّحة، وتغرقه في تفاصيل حياة نخبة لا تشبهه لا في الهمّ ولا في الوجع!
فها هو “الخبر العاجل” يحتل الشريط الأحمر في أسفل الشاشة: طلاق أحمد السقا من مها الصغير!
وكأن المواطن الذي لا يجد في جيبه ثمن كيلو طماطم، كان يجلس على نار القلق منتظرًا معرفة مصير هذه الزيجة، التي يُراد لها أن تكون شغل الناس الشاغل، بدلًا من أسعار السلع التي تشتعل بلا رقابة، وأجور لا تبرح مكانها منذ عقود.
ومن قبله، لم تكد الشاشات تفرغ من مسلسل “ميراث محمود عبد العزيز”، حتى بدأت موسيقى جديدة تُعزف على أنغام “الانتقال التاريخي” لأحمد زيزو من الزمالك إلى الأهلي!
يا سادة، دعونا نسأل:
هل زيزو سيتكفل بفواتير الكهرباء والغاز؟ هل ميراث الراحل سيوزّع على بطاقات التموين؟!
أم أن المطلوب من المواطن أن ينسى معركته الحقيقية مع الغلاء والجوع، ليدخل في حوارات “الترند” الفارغ، حيث الطلاق زواج، والانتقال الرياضي قضية وطنية!
إنه إعلام يهوى الهروب، لا يعكس الواقع، بل يصنع واقعًا وهميًا، يعجّ بالصخب والنميمة ومراقبة المشاهير وكأنهم مفاتيح الحل والربط.
منذ متى كان الإعلام ساعي بريد لمراكز القوى، ومروّجًا للبلادة؟
منذ متى تحوّل الإعلامي إلى مؤدي “توك شو” بلا مضمون، لا يُحسن إلا قراءة بيانات تافهة، وتعليق صور الفنانين والفنانات على الشاشة أكثر مما يعلق مشاكل المواطن؟
وهل يُعقل أن تُغلق ملفات الغلاء والبطالة والتضخم، وتُفتح ملفات “هل بوسي شلبي مخطئة؟”!
يا سادة، الإعلام رسالة، وليس نشرة غبار. الإعلام ضمير وطن، لا ساحر تنويم مغناطيسي.
لكن يبدو أن المطلوب حاليًا هو إلهاء الناس.. شغلهم عن الجوع بالبكاء على أطلال زواج فنان، أو الهتاف لفريق كرة، أو النحيب على تقسيم ميراث!
وكأن المواطن طفل صغير يجب أن يُشغل بلعبة حتى ينام بلا عشاء!
لقد صار الإعلام المصري أقرب إلى صندوق زينة فارغ: ألوان وضوء، لكن بلا مضمون، بلا وجع حقيقي، بلا صوت يمثل البسطاء الذين يُسحقون كل يوم في طاحونة الأسعار.
وحتى إشعار آخر… ستبقى الشاشات مليئة بكل شيء، عدا الحقيقة!